مصر

 

العراق

 بلاد الرافدين وهي الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات، عرفت باسم العراق منذ العصر الإسلامي. ويعتبر العراق أكبر دول المشرق العربي إذ تبلغ مساحته 438446 كلم2. يحده من الشمال تركيا وطول حدوده معها 305 كم، ومن الشرق إيران وطول حدوده معها 1515 كم، ومن الجنوب الخليج العربي وطول الشاطىء 60 كلم وكذلك الكويت والسعودية، ومن الغرب تحده سوريا والأردن.

ويبلغ عدد سكان العراق حوالي 24 مليون نسمة ويشكل العرب منهم نحو 70% والأكراد 15% والأقليات 15%. عاصمة العراق بغداد ويبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة وهناك البصرة والموصل وكركوك و.....

نبذة تاريخية: التاريخ القديم:

 حضارة بلاد ما بين النهرين بدأت مع بداية الحضارة الإنسانية في العصور القديمة وتنتهي في العام 539ق.م. عندما سقطت بابل عاصمة الامبراطورية البابلية الحديثة بيد الملك الفارسي قورش الثاني.

ففي هذه البقعة حدثت الثورة الأولى التي أدت إلى ظهور الزراعة، ودلت الآثار على حصول أول عمليات تدجين للحيوانات، وانتقال الإنسان من الكهوف إلى بناء أول القرى الزراعية وذلك قبل نحو 7 آلاف سنة. بعد ذلك بدأت الحضارات المتلاحقة.

السومريون:

يعد السومريون من أقدم الأمم التي سكنت بلاد الرافدين، فقد أقاموا في سهل شنعار(الذي يعد من أفضل بقاع العالم بفضل تربته اللحقية الغنية ومياهه الوفيرة مما ساعد على قيام حضارات عديدة) وأسوأ عدداً من المدن منها: أور، لاكاش، نيبور، واستخدموا الكتابة المسمارية والمحراث إلى أن تمكنت العناصر العربية القديمة التي نزحت من شبه الجزيرة العربية وتوطنت بجوار السومريين في شمالي السهل وتأثرت بهم من إنشاء بعض المدن منها أكاد، كيش، بابل... واستطاعت أن تقيم أول دولة عربية في بلاد الرافدين وهي:

ـ الدولة الأكادية: أسس هذه الدولة سرغون الأول، واتخذ من مدينة أكاد عاصمة، وأخذ يتوسع غرباً إلى سورية والبحر المتوسط وشرقاً صوب بلاد عيلام واستمر حكمه قرابه نصف قرن ومن أبرز خلفاءه «نار ام سين».

الدولة البابلية الأولى 1830 ـ 1531ق.م:

هاجمت أقوام همجية انحدرت من جبال زاغروس الدولة الأكادية، وقد استطاع أحد أمراء العموريين أن ينقذ البلاد من الفوضى ويؤسس أسرة مالكة اتخذت مدينة بابل عاصمة لها. ومن أبرز ملوك هذه الأسرة حمورابي الذي استطاع القضاء على العيلاميين في الشرق وضم مناطق الأشوريين في الشمال.

أهم ما تميزت به إنجازات حمورابي هو التشريع القانوني الذي وضعه. وفي عهد خلفاء حمورابي بدأ الضعف يتسلل إلى الدولة البابلية فقامت عدة ثورات وانفصالات فاستقل الآشوريون في الشمال وسارع الحثيون إلى غزو الدولة وأخيراً أجهز عليها الكاشانيون (من جبال إيران)، وبقيت البلاد هكذا نحو قرنين ونصف حتى استخلصها الآشوريون وأسسوا فيها دولتهم.

الدولة الآشورية 1300 ـ 612ق.م:

اتخذ الآشوريون في أول أمرهم مدينة آشور عاصمة لهم ثم نقلوها إلى نينوى وبلغت الدولة أوج عظمتها واتساعها في القرن الثامن قبل الميلاد. ومن أشهر ملوكها سمورامات (سمير أميس) وسراغون الثاني الذي نفى اليهود من فلسطين وآشور بانيبال الذي عرف بشجاعته وحبه للعلم. وقد وصلت حدود هذه الدولة لتشمل مصر وبلاد الشام والأناضول وشمال الخليج العربي. ولكن قسوة الأشوريين وسوء معاملتهم للشعوب المغلوبة خلقا الظروف المناسبة لقيام ثورات كثيرة أنهت الامبراطورية الأشورية عام 612ق.م.

الدولة الكدانية (البابلية الثانية) 612 ـ 539ق.م:

الكلدانيون أقوام آرامية تمكنت من الوصول إلى سهل شنعا وبناء دولة على أنقاض الدولة الآشورية، واتخذوا من بابل عاصمة لهم فجددوا مجدها السابق. من أشهر ملوكهم نبوخذ نصر (بختنصر) الذي قضى على مملكة اليهود في فلسطين وجلبهم معه أسرى إلى بابل.

ولكن ضعف خلفاءه من بعده أطمع بدولته جيرانه الفرس فأستولى عليها الملك الفارسي قورش في العام 539ق.م.

فترة النفوذ الفارسي: 539ق.م ـ 637م:

احتل الملك الفارسي قورش الأخميني عام 539ق.م مدينة بابل وجعلها عاصمة ملكه بعد أن قضى على الامبراطورية البابلية الثانية. وفي هذا العهد ظهرت مملكة الحضر أو «عربابا» التي قامت شمال موقع مدينة بغداد الحالية. وهي مملكة عربية ظهرت في منتصف القرن الأول قبل الميلاد واستمرت تحت النفوذ الفارسي إلى أن قضوا عليها في القرن الثالث الميلادي. وقد كانت هذه الإمارة مركزاً للأصنام وللتجارة.

الغزو الهيليني:

استطاع الاسكندر المقدوني كسر الفرس ودخل بابل عام 331ق.م واتخذها عاصمة له ومات فيها، ثم حكمتها بعده السلالة السلوقية المقدونية التي حافظت بابل في عهدها على أهميتها. بعد ذلك تحولت الأهمية من بابل إلى المدائن التي أصبحت عاصمة اليونانيين ثم الساسانيين الفرس الذين استعادوا الحكم من اليونانيين في القرن الثالث وفرضوا سيطرتهم على بلاد ما بين النهرين بينما فرضت بيزنطة سيطرتها على بلاد الشام. وأخذت الدولتان الكبيرتان تتنافسان فالفرس يريدون إعادة أمجادهم السابقة التي حققها لهم داريوش وقوروش. وقد اعتمدوا في ذلك على قبيلة تنوخ العربية التي قامت فيها إمارة الحيرة.

بينما كان البيزنطيون يعتمدون في بسط سيطرتهم على قبائل الغساسنة.

إمارة الحيرة:

بدت الحيرة أيام المناذرة كمركز هام يؤمه عرب شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين للتجارة. والمناذرة ينتسبون إلى قبيلة «لخم» العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الرافدين وأسست إمارة، وقد جعلت مركزها مدينة الحيرة شمالي الكوفة حالياً. وقد حمل عدد كبير من ملوكها اسم (المنذر) مما جعل هذه الدولة تعرف باسم المناذرة.

ولقد قامت الحيرة بدور كبير في الصراع الدائر آنذاك بين الفرس والروم، إذ كان المناذرة حلفاء الفرس، بينما كان الغساسنة حلفاء الروم. وقد قامت بين الامارتين العربيتين عدة معارك كانت في أساسها تمثل ذلك الصراع. وقد حاول الفرس القضاء على المناذرة عندما عصوا أمراً لهم، إلا أن القبائل العربية توحدت وتصدت للفرس في معركة ذي قار عام 610م. وكان النصر حليف العرب، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهذا اليوم بقوله: «هذا يوم انتصف فيه العرب من العجم».

الفتح الإسلامي:


 بدأت المناوشات بين العرب والفرس قبيل الإسلام منذ معركة ذي قار. وما لبثت أن أخذت شكلاً جديداً مع الخليفة الإسلامي أبي بكر الصديق على يد المثنى بن حارثة الشيباني الذي سار بقواته إلى العراق فاشتبك مع بعض قادة الفرس، فارسل له الخليفة نجدة مع القائد الإسلامي خالد بن الوليد فكانت عدة معارك متلاحقة، كان النصر فيها حليف المسلمين، ثم انتقل خالد إلى بلاد الشام لمساعدة جيش المسلمين هناك في معركة اليرموك، فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب أبي عبيد مسعود الثقفي على رأس جيش لمحاربة الفرس حيث التقى بهم في معركة كبيرة سميت معركة الجسر وقد هزم المسلمون وقتل قائدهم. وبرز هنا القائد المثنى بن حارثة الشيباني الذي استنفر القبائل العربية في العراق لمقاتلة الفرس حيث هزمهم في معركة البويب عام 635 م وانتقم للمسلمين وقتل قائد الفرس. وبعد سماع الخليفة عمر لأنباء معركة الجسر استنفر المسلمين وعزم على المسير لمقاتلة الفرس بنفسه، إلا أن الصحابة تمنوا عليه أن يرسل قائداً منهم على أن يبقى هو بالمدينة، فعين سعد بن أبي وقاص لرئاسة جيش المسلمين لملاقاة الفرس. كما عين الفرس أشهر قائد عسكري لهم وهو رستم. والتقى الجيشان عام 637 م ـ 15 هـ. وقد استمرت المعركة أربعة أيام استطاع بعدها المسلمون من القضاء على جيش الفرس وقتل قائده رستم وكانت هذه وقعة القادسية. وتتالت بعد ذلك هزائم الفرس في العراق فاستولى المسلمون على المدائن حاضرة بلاد الفرس وغنم المسلمون منها كثيراً. وانتقلوا إلى الأراضي الفارسية بقيادة النعمان بن مقرن المزني الذي التقى مع الفرس في نهاوند وتم له النصر وذلك عام 21 هـ. وسميت هذه المعركة «بفتح الفتوح» لأهميتها في القضاء على الحكم الفارسي بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب تولى الخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم. ولكنه قتل هو أيضاً عام 656 م ـ 35 هـ. بعد ذلك اختير علي بن أبي طالب للخلافة، إلا أن الخلاف مع معاوية بن أبي سفيان والي الشام استلزم من الخليفة نقل العاصمة من المدينة المنورة إلى الكوفة في العراق ليكون أقرب إلى مكان الصراع. وبقيت الكوفة مركز الخلافة إلى أن قتل الإمام علي بطعنه ابن ملجم عام 40 هـ ـ 661م. وبذلك انتهى عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وانتقل الحكم إلى بني أمية الذين أقاموا دولتهم في بلاد الشام وكانت دمشق عاصمتها. وقد حاول الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه استرجاع الحكم من يزيد بن معاوية بعد موت أبيه إلا إنه استشهد ومن معه من شيعته من أهل بيته بعد أن خذله أهل الكوفة ولم ينصروه على جيش يزيد في واحات كربلاء وذلك عام 680 م ـ 59 هـ. وبذلك انفرد الأمويون بالخلافة حتى قيام الدولة العباسية عام 750 م ـ 132 هـ.

الخلافة العباسية 132 ـ 656 هـ/ 750 ـ 1258 م:

عقب انتصار الثورة العباسية انتقل مركز الخلافة من بلاد الشام إلى بلاد الرافدين وتحديداً إلى الكوفة التي اختارها أبو العباس «السفاح» عاصمة له، وظلت الكوفة عاصمة دولة بني العباس إلى أن انتقلت بعد عامين إلى الأنبار.

ومع مجيء الخليفة أبو جعفر المنصور بنى مدينة جديدة على ضفاف نهر دجلة سماها مدينة السلام «بغداد» وجعلها ابتداء من عام 762 عاصمة الخلافة العباسية. وقد قسم المؤرخون العصر العباسي إلى فترتين:

1 ـ فترة العصر الذهبي.
2 ـ فترة عصر الانحطاط والضعف.

    العصر الذهبي 132 ـ 247 هـ/ 750 ـ 861 م: 

وقد تعاقب على هذا العصر عشرة خلفاء، وقد تميز هذا العصر بازدهار الاقتصاد وقيام مشاريع الري، زيادة المحاصيل الزراعية، كما تطورت صناعة المعادن وصناعة النسيج بعد إدخال القطن، كما تطورت حركة التجارة حتى بلغت الصين شرقاً وبلاد أوروبا غرباً. وأصبحت بغداد بالإضافة إلى مركزها السياسي والاقتصادي العالمي، مركز مهماً في مختلف مجالات العلوم (طب، هندسة، كيمياء، ترجمة، فنون، أدب...) وخاصة في عهد هارون الرشيد (170 ـ 193 هـ). وعهد ابنه المأمون (198 ـ 218 هـ) الذي كان ذا ثقافة واسعة محباً للعلوم، فتطور الجدل الفلسفي وعلم الكلام، ونشأت المذاهب الفقهية، وأنشأ بيت الحكمة وهو مركز لترجمة الكتب العلمية والفلسفية الأجنبية إلى العربية. كما بلغت أرجاء الدولة العباسية في هذا العصر إلى حدود الصين مشرقاً إلى أقصى شرق أفريقيا غرباً وفي الشمال إلى الحدود الأوروبية (حدود الدولة الرومانية). إلا أن فترة قمة هذا الازدهار لم تخل من اضطرابات سياسية خطيرة أهمها: البرامكة ـ ثورة الزيديين في الكوفة والبصرة.

   عصر الانحطاط والضعف: 247 ـ 656 هـ/861 ـ 1250 م:

وهو عصر بداية النهاية، وقد تعاقب على هذا العصر 37 خليفة. وكانت البداية مع عهد المنتصر بالله (247 ـ 248 هـ). وقد تميز هذا العصر بسيطرة الجنود (الأتراك ثم الفرس ثم الأتراك ثانية) على الخليفة وتحكمهم فيه، فكانوا يعزلونه أو يقتلونه، ويعينون بديلاً عنه ممن يشاؤون. إضافة إلى هذا الوضع البالغ الضعف فقد واجه العباسيون ثورة الزنج والتي استمرت حوالي 14 سنة، ومن بعدها حركة القرامطة وهي ثورة اسماعيلية استطاع أحد فروعها الاستيلاء على البحرين وتأسيس دولة شيعية احتلوا بعدها اليمن وغزوا مكة المكرمة واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه لفترة طويلة. كما كان لهذه الحركة فرع آخر في تونس حيث أسس عبيد الله الفاطمي الدولة العبيدية أو الفاطمية (297 ـ 567 هـ/909 ـ 1171 م) والتي انشقت عن الخلافة العباسية ووسعت نفوذها إلى كامل شمالي أفريقيا وصقيله ومصر وسوريا والجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية وكانت عاصمتها أولا مدينة المهدية في تونس ثم بنوا مدينة القاهرة فكانت هي عاصمتهم وكذلك قامت في بلاد الأندلس الدولة الأموية (كانت موجودة في العصر الأول لكنها لم تخرج عن الخلافة العباسية إلى أن تدهورت أحوال الخلافة) وقد امتدت من 138 ـ 316 هـ/756 ـ 928م فتفككت الدولة، وأصبحت السلطة بيد القادة العسكريين فالخليفة لم يعد له سوى الإشراف النظري أو الاسمي. ولكن ما يجب ذكره أن هذه الدويلات التي ظهرت على هامش الدولة العباسية كان لها دوراً كبير أيضاً في مقاومة الأعداء فبرزت أيضاً كآل زنكي والأيوبيين في بلاد الشام والذين دحروا الصليبيين. والحمدانيين في شمال بلاد الشام وقد قاتلوا الروم وكانوا على الثغور، والغزنويين في أفغانستان وقد فتحوا أجزاء كبيرة في الهند وعملوا هناك على نشر الإسلام.

حكم العثمانيين في العراق: (941 ـ 1335 هـ/1534 ـ 1918 م):

لم يستطع العثمانيون توطيد حكمهم في العراق بشكل دائم، فانتفاضات التركمان كانت مستمرة، وكذلك الصفويين بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان يسعى للتوسع في أراضي العراق والسيطرة عليه متخذاً من رغبته في نشر المذهب الشيعي ذريعة لذلك. بينما كانت الدولة العثمانية تنافس الصفويين في مد نفوذها متخذة من رغبتها في نشر المذهب السني والدفاع عنه ذريعة لذلك. فقاد السلطان سليم الأول العثماني حملة على الصفويين هزم فيها اسماعيل الصفوي في معركة تشالديران 1514 م ـ 920 هـ. ودخل السلطان سليم عاصمتهم تبريز، ثم ارتد عنها فيما بعد. ثم عاد الصفويون إلى أمد ما وحكموا العراق من جديد، وعاد العثمانيون إلى استعادة العراق منهم في عهد السلطان سليمان القانوني بعدما ظهر الخطر الصفوي. وقاد السلطان سليمان حملة عسكرية تمكن فيها من دحر الصفويين مرة أخرى، ودخل السلطان سليمان القانوني بغداد فضم العراق مجدداً إلى الدولة العثمانية وكان ذلك عام 1534م.

وفي عهد السلطان عبد العزيز تم اجتياز خطوات هامة في مجال التنظيم الإداري والاقتصادي إلا أن العصبية القومية كانت قد بدأت بالتفشي في جسد الدولة العثمانية فيهود الدونمة كانوا قد أنشأوا جمعية الاتحاد والترقي في باريس عام 1316 هـ. وأخذت تدعو إلى القومية الطورانية، وكان رد الفعل عند العرب بالدعوة إلى القومية العربية. وقد كان لمدحت باشا دور بارز في العراق (1285 ـ 1288 هـ/1869 ـ 1872 م) فبذر أفكاراً غربية تحت عنوان المطالبة بالدستور ومقاومة الاستبداد، وساعده في هذا ما كان يقع من ظلم وتعسف في الحكم من قبل بعض الولاة العثمانيين، وما كان ينتشر من فوضى، ومن هزيمة نفسية وجدت إثر تراجع الدولة باستمرار، وتفشي الجهل بين أفراد الأمة المسلمة وتطور العلم عند الخصوم. وكان مدحت باشا على صلة بالانكليز الذين بدأوا بالتحرك نحو العراق طمعاً بموقعه الاسترايتجي على طريق الهند لوجود مطامع في خيراته. وأصبحوا ينتظرون الفرصة المناسبة ليدخلوا العراق. بعدما أصبحت الأرض جاهزة عبر النقمة الكبيرة على العثمانيين من الجمعيات القومية التي انتشرت في معظم الوطن العربي وقد لعبت إنكلترا دوراً مهماً في هذه المرحلة إذا راسلت شريف مكة حسين بن علي ووعدته بتعيينه ملكاً على بلاد الشام وبلاد الرافدين وشبه الجزيرة العربية بعد إخراج العثمانيين من هذه البلاد بالتعاون مع الانكليز والفرنسيين الذين سيقدمون كل الدعم اللازم للثورة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1916 م ـ 1332 هـ. أعلن الروس والانكليز والفرنسيين الحرب على الدولة العثمانية بحجة أن العثمانيين ضربوا البوارج الروسية في البحر الأسود.

الاحتلال الإنكليزي للعراق:

وصلت الحملة الإنكليزية من الهند بقيادة الجنرال ديلامين إلى مياه شط العرب فاحتلت مدينة الفاو ثم دخلت مدينة البصرة عام 1914 م ـ 1333 هـ. وتتالت المدن العراقية بالسقوط إلا أنها توقفت قبل بغداد، إلا أن نجاح مراسلات الشريف حسين ـ مكماهون شجعت الإنكليز على المضي قدماً بمتابعة الزحف إلا أنهم واجهوا صعوبة أمام الجيش العثماني الذي صدهم وأرغمهم على التراجع، إلا إنهم عادوا ودخلوا بغداد وتابعوا سيرهم إلى الشمال. في هذه الأثناء كانت قوات الشريف حسين بقيادة ابنه فيصل تتجه من شبه الجزيرة العربية باتجاه بلاد الشام مدعومة بقوات فرنسية وانكليزية. وسرعان ما قام الفرنسيون والبريطانيون بتوقيع اتفاقية (سايكس ـ بيكو) فيما بينهم حيث تقاسموا بلاد الشام والعراق وذلك في رجب 1334 ـ أيار 1916.

وهكذا أصبح العراق تحت الانتداب الإنكليزي، وبدأت نقمة المسلمين والوطنيين العراقيين ضد الانكليز وخاصة عند اعلان اتفاقية سايكس ـ بيكو ثم ظهور وعد بلفور المشؤوم. إضافة إلى الممارسات الداخلية خاصة في مجال الضرائب . وانفجرت هذه النقمة عبر ثورة عارمة عرفت باسم الثورة العراقية الكبرى.

الثورات العراقية:

ثار الشعب العراقي كله ضد الاحتلال البريطاني، فشُنت عليه عدة عمليات أدت إلى إصابته بخسائر فادحة بشرية ومادية. ولكن تبقى ثورة عام 1920 هي الأبرز في تاريخ الثورات العراقية ضد الإنكليز.

اندلعت الثورة على أثر إعلان بريطانيا عن نيتها فرض الانتداب تنفيذاً لمقررات سان ريمو. فعقد اجتماع وطني كبير ضم عدد كبير من زعماء القبائل، وكانت روح المقاومة تغلي في صدورهم. فقرر المجتمعون خوض النضال والثورة ضد الاحتلال حتى تحرير كامل البلاد.

فقامت سلطة الانتداب البريطاني باحتجاز أحد شيوخ القبائل، الأمر الذي أثار أفراد قبيلته وزعماء باقي القبائل إذ كانت هذه الحادثة هي الشرارة الأولى، وشرع العراقيون بإعدام الضباط والجنود الإنكليز وامتدت هذه الثورة في مختلف أرجاء العراق وكان ذلك في حزيران 1920 من الرميثة. وقد استطاع الثوار العراقيون استرجاع العديد من الثكنات العسكرية التي كان يحتلها الإنكليز، كما ألحقوا بالقوات الإنكليزية خسائر فادحة (بشرية ومادية).

في مقابل حشد المحتلون أعداداً ضخمة من الجنود المجهزين بالأسلحة وقد زاد عددهم على 150 ألفاً، فاستطاعت القوات الانكليزية استعادة الثكنات العسكرية واحتجاز عدد كبير من الثوار وسقوط العديد من الشهداء (وقد استعانت بالطيران لضرب المدن). هذه الثورة كان لها نتائج كبيرة على صعيد السياسة البريطانية أهمها:

ـ أن بريطانيا اضطرت لتغيير سياستها التي كانت ترمي إلى ضم العراق إلى إدارتها الاستعمارية في الهند.

ـ قدمت بريطانيا بعض الحقوق للعراقيين فاضطرت إلى تكليف العراقي عبد الرحمن الكيلاني ليشكل حكومة عراقية، كما اتجهت بريطانيا مرغمة نحو الهاشميين لتعيين الأمير فيصل ملكاً على البلاد. فأجري استفتاء في العراق بإشراف بريطانية، وفاز فيصل بأكثرية ساحقة وتوج ملكاً. ووضعت أسس أول معاهدة عام 1922 م تنظم العلاقة بين بريطانيا والعراق وتنهي الحكم المباشر، إلا أن هذه المعاهدة كانت شديدة الوطأة إذ أبقت لبريطانيا امتيازات عسكرية واقتصادية وسياسية، ووضعت على كاهل العراق أعباء مالية كبيرة، ثم جرت انتخابات لمجلس تأسيسي لإقرار المعاهدة في تشرين الأول 1922 ووضع دستور دائم للبلاد. وقد لاقت المعاهدة مقاومة عنيفة في المجلس، ولم تقر إلا بعد أن عدلتها بريطانيا وجعلت مدتها أربع سنوات فقط.

وفي عام 1930 تم التوقيع على معاهدة جديدة بإشراف الملك فيصل نفسه ومن أهم بنود هذه الاتفاقية:

ـ تعترف بريطانيا باستقلال العراق استقلالاً تاماً.

ـ تنقل المسؤوليات المنوطة بإنكلترا بموجب صك الانتداب إلى العراق.

ـ مدة المعاهدة 25 سنة تبدأ اعتباراً من دخول العراق في عصبة الأمم.

ـ يسمح لبريطانيا أن تبقي في العراق بعضاً من قواتها وإن تقيم فيه قاعدتين جويتين.

وفي عام1933 قبل العراق عضواً في عصبة الأمم فكان أول دولة عربية دخلت المجال الدولي.

موت الملك فيصل ومجيء الملك غازي:

 لما انتهت حركة النساطرة الآشوريين في شمال العراق (آب 1933) والتي أدت إلى مقتل أكثر من 1000 شخص منهم، واطمأن الملك فيصل إلى الوضع رجع إلى أوروبا للاستجمام والراحة، فقضى نحبه في مدينة (برن) بسويسرة في 8 أيلول 1933/1352 هـ. فنقل إلى بغداد ودفن فيها.

بويع غازي بن الملك فيصل ملكاً على البلاد وكان عمره 29 سنة. وقد ظن الانكليز أنه سيكون ألعوبة بين أيديهم هم وشركاؤهم في الداخل، إلا أن الملك غازي قد خيب ظنهم، فكانت أول حكومة على عهده حكومة رشيد عالي الكيلاني.

وفي عهد الملك غازي حدث خلاف بين العراق وإيران على الحدود أدى إلى نزاع أو حدثت معارك غير نظامية بين الطرفين وذلك أثناء تولي جميل المدفعي رئاسة الحكومة.

ثم توالت الحكومات بعد ذلك وكانت المشاكل الداخلية تزداد حتى كانت ثورة بكر صدقي التي أرغمت الملك على إقالة حكومة ياسين الهاشمي وذلك في تشرين الأول 1936 ثم جرت حادثة مماثلة بقيادة نوري السعيد في كانون الأول 1938 حيث أجبر الجيش الملك على إقالة حكومة جميل المدفعي وتكليف نوري السعيد بتشكيل حكومة جديدة. وفي 4 نيسان 1939 قتل الملك غازي بن فيصل بحادث سيارة كان يقودها بنفسه وقد سرت شائعة بأن الحادث مفتعل من قبل إنكلترا وبالتعاون مع رئيس الوزراء نوري السعيد ومرافق الملك الشخصي الذي كان يجلس خلفه (وقد قتل أيضاً بعد الحادث).

الملك فيصل الثاني ووصاية عبد الإله:

 بعد مقتل الملك غازي اجتمع مجلس الوزراء وأعلن تنصيب ولي العهد الأمير فيصل ملكاً على العراق باسم «فيصل الثاني» 6 نيسان 1939م. وسمي عبد الإله بن علي وصياً على الملك الذي لم يبلغ سن الرشد القانونية. وهكذا استطاعت إنكلترا المضي في سياستها في العراق. إلى ما تريد بعد تعيين عبد الإله وصياً على الملك وكذلك وجود (نوري السعيد إلى جانبه ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 وقف العراق إلى جانب إنكلترة وأعلن الحرب على ألمانيا، وظهرت السياسة الانكليزية بوضوح على الساحة العراقية بوجود الوصي ونوري السعيد إلا أن ضباط الجيش الوطنيين وبعض الزعماء الآخرين كرشيد عالي الكيلاني كان لهم موقف مغاير ثورة عالي الكيلاني في نيسان 1941 وهرب الوصي عبد الإله إلى البصرة واحتمى بالقوات الإنكليزية. وأعلن رشيد عالي الكيلاني عن تشكيل حكومة الدفاع الوطني مدعومة من الجيش العراقي والشعب وكان مجلس النواب قد اجتمع وعين الشريف شرف وصياً على الملك بعد فرار الوصي السابق عبد الإله. لم ترض إنكلترا عن حكومة الكيلاني وثورته فقامت باستدعاء قواتها من الهند ونزلت في البصرة وقامت من هناك بقصف مواقع الجيش العراقي بالطائرات. كما انتقل الجيش البريطاني الموجود في الأردن إلى العراق. كل هذا أدى إلى هروب أركان الحكومة الوطنية إلى طهران، بعدما ما قاوم الجيش العراقي والعديد من المتطوعين من الشعب العراقي والشعوب العربية أيضاً التي جاءت إلى العراق لتساند ثورته ضد الإنكليز. بعد ذلك عاد الوصي عبد الإله في 22 أيار 1941 على متن طائرة إنكليزية ليعود ويحكم العراق من جديد، وقامت القوات البريطانية بمطاردة الثوار الفارين إلى إيران فألقت القبض على غالبيتهم باستثناء الكيلاني الذي استطاع الهرب، ثم قامت حكومة نوري السعيد بإعدامهم بعد محاكمات صورية. وكان الحال يزداد سوءاً، إذ استمر نوري السعيد بولاءه المطلق للإنكليز والذي أصبح علنياً رغم معارضة غالبية الوزراء في حكوماته المتعددة.

الاطاحة بالملكية

عملت إنكلترا مجدداً على ضمان سيطرتها على العراق بتكبيله بقيود أشد، لذلك فقد عمدت إلى إلغاء معاهدة 1930 لقاء انضمامه إلى حلف بغداد 1955 الذي ضم كلاً من تركيا بريطانيا باكستان وإيران. وقد استهدفت بريطانيا من هذا الحلف حماية النظام العراقي خشية تنامي حركة التحرر العربي التي أخذت تقوي وتشتد في الخمسينات بزعامة جمال عبد الناصر الرئيس المصري الذي توج أعماله بإعلانه تأميم قناة السويس، فكان إثر ذلك العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقد استخدمت بريطانيا في هذه المعركة مطار الحبانية في العراق لتعبئة الوقود ولاستراحة الطائرات المغيرة. وهذا ما أثار الشعب والزعماء العراقيين الوطنيين فسنحت فرصة تفجير الثورة عندما أقدمت قيادة الجيش على نقل بعض القطعات العسكرية التي يسطير عليها بعض الضباط الأحرار باشراف عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى الأردن عبر بغداد عشية 13 ـ 14 تموز 1958. وقد تولى عبد السلام عارف صباح 14 تموز عملية الاستيلاء على المرافق الحساسة وإذاعة البيان رقم واحد من الإذاعة. ومن ثم توجهت وحدة صغيرة لاحتلال القصر الجمهوري. وعند شيوع الخبر راح مؤيدوا الثورة يتدفقون على الشوارع الأمر الذي أضفى على الحركة طابع الثورة الشعبية. وقد قتل الملك فيصل والوصي عبد الله فوراً، وحاول نوري السعيد الفرار إلا إنه اعتقل وقتل فوراً وأعلن عن قيام الجمهورية العراقية.

عهد عبد الكريم قاسم (14 تموز 1958 ـ 8 شباط 1963/ذي الحجة 1377 ـ رمضان 1382 هـ):

 فور قيام الثورة ونجاحها اعترفت بدولة الجمهورية العربية المتحدة وانسحبت من الاتحاد الهاشمي المزعوم والذي كان «نوري السعيد» رئيساً لحكومته الأولى والأخيرة وكذلك انسحبت بغداد من حلف بغداد، وأعلنت عن اتباعها سياسة الحياد الايجابي ومعاداة الاستعمار. وقد كان خروج العراق من حلف بغداد ضربة قاصمة للحلف وكذلك للسياسة الاستعمارية في المنطقة.

استلم رئاسة البلاد عبد الكريم قاسم وكان نائبه عبد السلام عارف. إلا أن الخلافات لم تلبث أن نشبت بين زعيمي الثورة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الذي أحس أنه هو من قام بالثورة ونقل عنه أن مصير عبد الكريم قاسم مثل مصير محمد نجيب في مصر وقد أثارت هذه الأقاويل الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم فعمد إلى تجريد عارف من مراكزه السياسية والعسكرية وحاول توظيفه في إحدى السفارات في الخارج إلا أنه أبى ورفض العيش إلا في بغداد فاتهم فيما بعد بمحاولة قتل الرئيس قاسم فحكم عليه بالإعدام إلا أن الحكم لم ينفذ وأودع في السجن حتى عام 1961 حيث أفرج عنه وسمح له بالحج.

حركة رشيد عالي الكيلاني:

 بعد نجاح ثورة الضباط الأحرار في العراق عام 1958 رجع إلى بغداد زعيم ثورة 1941 رشيد عالي الكيلاني وذلك في تشرين الأول 1958 الذي استقبل استقبال الأبطال وزاره الرئيس العراقي في منزله. وعندما أودع عبد السلام عارف في السجن كثر زوار رشيد السياسيين الذين كانوا يثيرون هذا الموضوع. بعد ذلك ترامى إلى عبد الكريم قاسم أن رشيد الكيلاني يعد انقلاباً، فتم القبض عليه وعلى معاونيه وقدم للمحاكمة التي أنزلت به حكم الإعدام غيرأن الحكم لم يصدق وبقي في السجن حتى أفرج عنه في 14 تموز 1964.

كذلك قامت في الموصل حركة انقلابية بقيادة عبد الوهاب الشواف في 8 أذار 1958 وهو أحد الضباط الأحرار إلا أن قاسم كان عنيفاً في تعامله مع هذه الحركة فقام بقصف الموصل بالمدفعية، وقد قتل الشواف بعد هذه المعركة.

ثورة شباط 1963 وعهد عبد السلام عارف (8 شباط 1963 ـ 13 نيسان 1966):

لقد مال بعض قادة ثورة تموز إثر نجاح ثورتهم، وحاولوا توطيدها إلى الحكم الفردي، فمارسوا أعمالاً عديدة أدت إلى عزلتهم عن الشعب وإلى عدة تحركات ضد النظام، وكان حزب البعث هو المحرك الرئيسي لهذه التحركات، وفعلاً وفي 8 شباط 1963 بدأ ضباط الثورة تسلم المراكز واعتقال الضباط الموالين لنظام الحكم، وقد تمكنوا فيما بعد من السيطرة على مقر إقامة الرئيس قاسم، وقد وجد البعثيون أنهم مضطرون لتسليم زمام الأمور إلى ضابط معروف ومقبول من قبل الشعب العراقي، وكان ذلك الضابط عبد السلام عارف الذي تسلم رئاسة البلاد. وقد قوبلت هذه الحركة بابتهاج شعبي نظراً لموقع عارف من الشعب.

سيطر حزب البعث على الوضع في العراق وعين عارف رئيساً للجمهورية، إلا أن الخلافات سرعان ما دبت داخل حزب البعث نظراً لتصرفات بعض الضباط والبعثيين اللاواعية، مما أدى إلى حدوث نزاعات وانشقاقات، وكانت القيادة القطرية تعزل وزراء وتعين بدلاء عنهم وهكذا، وكان الرئيس عارف بما أنه من خارج الحزب فلا يمكنه القيام بأي تصرف، إلا أنه لم يعد يستطيع التفرج على هذه التصرفات فاتفق مع رئيس الأركان طاهر يحيى للانتهاء من هذه المهزلة، وفي 18 تشرين الثاني 1963 ألقي القبض على أعضاء القيادتين القومية والقطرية، وأودعوا السجن، كما احتجز كل من أمين الحافظ وميشيل عفلق اللذان حضرا من سوريا لفض النزاعات بين البعثيين.

وهكذا وضع عبد السلام عارف يده على البلد بشكل مطلق، وكلف طاهر يحيى بتشكيل الحكومة الجديدة التي أخذت منحًى قومياً وحدوياً إلى جانب المد الناصري في مصر. وكادت الوحدة بين البلدين أن تتم لولا ردود الفعل الشعبية تجاه قرارات التأميم التي اتخذتها حكومة طاهر يحيى، فاضطر الرئيس إعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً. هذا التحول أدى إلى وجود ثغرات في الحكم من قبل مؤيدي الوحدة مع مصر، فاستغل هؤلاء الضباط على رأسهم عارف عبد الرزاق وجود الرئيس عبد السلام عارف في الدار البيضاء لحضور اجتماع القمة العربية في 12 أيلول 1965 وقاموا بمحاولة انقلاب إلا أن وجود شقيق الرئيس عبد الرحمن عارف على رئاسة الأركان أعاد الأمور إلى وضعها وتمكن من صد الانقلاب وتمكن عارف عبد الرزاق من الفرار إلى القاهرة. وفي 13 نيسان 1966 وأثناء رحلة جوية بين البصرة وبلدة القرنة تعرضت طائرة الرئيس عبد السلام عارف المروحية لعاصفة رملية أدت إلى وقوعها ومقتل جميع من فيها. فتولى رئيس الحكومة عبد الرحمن البزاز السلطة حسب الدستور ريثما يتم اختيار رئيس جديد للبلاد.

عهد عبد الرحمن عارف (17 نيسان 1966 ـ 17 تموز 1968 م):

نجح عبد الرحمن عارف باستلام الحكم بعد وفاة شقيقه وذلك لمحبة الجميع للرئيس الراحل شقيقه، وقد عمل الرئيس الجديد على تهدئة الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد. وفي حزيران 1966 قام عارف عبد الرزاق بمحاولة انقلاب ثانية إلا أنه فشل وأودع عارف عبد الرزاق في السجن لمدة سنة ثم أفرج عنه. ثم ازدادت المشاكل الداخلية بين العسكريين والمدنيين وكان الرئيس عبد الرحمن يقف بين الجماعتين. ومع أحداث نكسة حزيران 1967 كان عارف مترئساً الحكومة مع رئاسة الجمهورية، وقد أرسل العراق قوات عسكرية لمساندة سوريا ومصر والأردن في حربهم ضد إسرائيل.

وبعد الحرب ازدادت النشاطات الحزبية وخاصة لحزب البعث الذي عاد بقوة إلى الساحة الداخلية، وكذلك الحزب الشيوعي.

وفي 17 تموز 1968 حدث انقلاب أطاح بعبد الرحمن عارف ونظام حكمه.

عهد أحمد حسن البكر (7 تموز 1968 ـ 1979 م):

 استطاع البعثيون وضع يدهم على البلاد من جديد، وتسلم زمام الأمور أحمد حسن البكر وكان من أنصاره حردان التكريتي وصالح مهدي عماش وصدام حسين. ومن أهم العقبات التي واجهت البكر القضية الكردية، إذ عاد القتال مع الأكراد في تشرين الأول 1968 وازداد ضراوة واستمر مدة عامين، وقد اتهمت الحكومة الأكراد بالتمرد والتعامل مع إيران وإسرائيل. وفي 11 أذار 1970 جرى اتفاق بين الحكومة (برئاسة البكر نفسه) والأكراد منحوا على إثره حكماً ذاتياً وتقرر أن تكون مدينة اربيل عاصمة إقليمهم واشترط عليهم تطبيق هذا الاتفاق بدءاً من أذار 1974. أي بعد أربع سنوات إلا أن هذا الاتفاق لم يطبق فيما بعد وعادت المعارك بين الجانبين. وفي مطلع عام 1971 قتل حردان التكريتي في حادث طائرة، ثم أعفي صالح مهدي عماش عن مهامه بعد ستة أشهر وكذلك عبد الكريم الشيخاني، فخلا الطريق بذلك أمام صدام حسين التكريتي الذي أصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.

وفي أول حزيران 1974 أعلن البكر تأميم النفط وقد نتج عن ذلك وعن مجمل السياسة الاقتصادية قفزات كبيرة في مستوى الدخل الفردي. وعندما اندلعت حرب تشرين 1973 أرسل البكر قوات عسكرية عراقية للمشاركة في القتال. وعلى إثر اتفاقية كامب دايفيد بادر حزب البعث في العراق إلى الدعوة لمؤتمر قمة عربية عقدت في بغداد أدت إلى تقارب سوري عراقي بهدف الحفاظ على تماسك الصف العربي. وأدت القمة إلى قطع الصلات العربية مع مصر.

عهد صدام حسين (16 تموز 1979 م ـ ....):

 في 16 تموز 1979م. أعلن أحمد حسن البكر تنحيه عن الرئاسة لصالح نائبه ورفيقه صدام حسين. وسرعان ما أعلن فيما بعد عن (مؤامرة رفاق سابقين وانقلاب أبيض). وقد تعامل الرئيس الجديد بسرعة وحزم فأعدم عدداً من المتآمرين وثبت موقعة في الرئاسة.

ـ حرب العراق إيران ـ أيلول 1980:

كانت مسألة العلاقة مع إيران من المسائل الرئيسية التي واجهها صدام حسين منذ تسلمه الرئاسة. فاتفاقية الجزائر بنظر الرئيس العراقي لم يطبقها الجانب الإيراني إذ إنه لم ينسحب إلى المواقع المتفق عليها. وكذلك فإن النظام البعثي في بغداد كان متخوفاً من الثورة الإسلامية الجديدة التي قلبت نظام الشاه واستولت على الحكم.

أعلن النظام العراقي عن نقضه لاتفاقية الجزائر وأعلن الحرب ضد إيران وذلك في 17 كانون الثاني 1980م. وقد ظلت هذه الحرب مستمرة حتى 18 تموز 1988 إذ أعلنت إيران من جانبها قبول وقف اطلاق النار وإنهاء الحرب معلنة بطريق غير مباشر عن هزيمتها أمام العراق الذي وافق على مبادرة الأمم المتحدة في 6 آب 1988. وقد كانت نتائج هذه الحرب مذهلة وكبيرة لكلا الطرفين اللذان تكبدا خسائر جمة.

فقد سقط لإيران بين 1980 و1988 ما لا يقل عن 400,000 قتيل مقابل 300,000 قتيل عراقي. أما فيما يخص الخسائر المادية فقد كلفت الحرب إيران حوالي 400 بليون دولار أمريكي وكلفت العراق من جهته 193 بليون دولار أمريكي.

أما عن النتائج السياسية فإن هذه الحرب قد فرقت الدول العربية إذ أن دول الخليج العربي كانت تدعم النظام العراقي بشكل كبير ومتواصل وخاصة السعودية والكويت. وكذلك وقفت مصر والأردن إلى جانب العراق في حربه. في حين وقفت سوريا إلى جانب إيران ضد العراق (خاصة أن العلاقات بين البلدين كانت قد قطعت إثر إعلان العراق عن إحباطه محاولة انقلاب بدعم من سوريا رغم إنكار سوريا لذلك إلا أن الخلاف كان قد ظهر بين البلدين).

حرب الخليج الثانية 2 آب 1990:

 طمع الرئيس العراقي صدام حسين بالكويت، خاصة بعد رفض أمير الكويت الشيخ جابر الصباح إلغاء ما كان يتوجب على العراق من ديون عليها للكويت (15 مليار دولار) إضافة إلى الدين الخارجي البالغ حوالي 35 بليون دولار.

فقامت الجيوش العراقية في 2 آب 1990 بغزو الكويت الأمر الذي أدى إلى سقوط العديد من القتلى في صفوف الكويتيين (منهم الشيخ فهد الصباح شقيق الأمير جابر)، ولجأت الحكومة الكويتية إلى الرياض حيث ناشدت المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الكارثة.

في 6 آب أعلن مجلس الأمن الدولي فرض الحظر الشامل على العراق وإقفال أنابيب النفط العراقية.

رفض الرئيس العراقي جميع المبادرات الدولية والعربية لحل الأزمة سلمياً والانسحاب من الكويت. وكانت من هذه المبادرات مبادرة مهمة من الرئيس السوري حافظ الأسد. إلا أن الرئيس العراقي رفض كل هذه المبادرات وأعلن الجهاد المقدس.

معركة عاصفة الصحراء:

في 25 آب سمح مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية لفرض الحظر على العراق. وأعلنت الولايات المتحدة عن حشد قواتها العسكرية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، إلى جانب الولايات المتحدة ضم هذا التحالف 27 دولة عربية وأجنبية وفي 16 كانون الثاني 1991 بدأت عملية عاصفة الصحراء العسكرية ضد العراق. وقد استخدمت في هذه الحرب أحدث الآلات والمعدات العسكرية من طائرات وصواريخ وبوارج ومدرعات....

وفي 24 شباط بدأ الهجوم البري في الأراضي الكويتية، وسرعان ما بدأ الجيش العراقي بالتراجع أو بالاستسلام وفي 27 شباط دخلت القوات الكويتية تساندها قوات التحالف مدينة الكويت العاصمة.

وفي الساعة الثالثة من 28 شباط أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش وقف العمليات العسكرية لدول التحالف ضد العراق.

خسائر العراق بعد هذه الحرب:

20,000 قتيل و60,000 جريح (حسب المصادر العراقية).

100,000 قتيل (حسب المصادر الأمريكية).

175,000 أسير.

139 طائرة حربية + لجوء 115 طائرة إلى إيران.

8 طوافات.

74 باخرة حربية.

208 دبابة.

1140 قطعة مدفعية.

العراق بعد العاصفة:

 استمر الحصار المفروض على العراق (منذ 6 آب 1990 عقب الاجتياح للكويت)، وقد رفضت الأمم المتحدة ـ وبضغط واضح من الولايات المتحدة ـ أي مبادرة أو حل لفك هذا الحصار أو التخفيف من أعباءه، فتفاقمت الأوضاع الاقتصادية بشكل مأساوي، وبدأت نتائج هذا الحصار تظهر في نقص الأدوية والمواد الغذائية والمواد الأولية، الأمر الذي أدى إلى موت الآلاف من أفراد الشعب العراقي غالبيتهم من الأطفال الصغار وكبار السن.

وكانت الحجج التي تتذرع بها الولايات المتحدة لرفض فك الحصار عن العراق، الاعتراض الذي طالما أبداه العراق على اللجنة الدولية الخاصة المكلفة بإزالة الأسلحة العراقية المحظورة. وقد عملت هذه اللجنة على إزالة عدد كبير من الأسلحة العراقية ولمدة طويلة، إلا إنها كانت بين الفترة والأخرى تعود أدراجها إلى نيويورك مدعية أن السلطات العراقية تمنعها من القيام بعملها كما يجب، فتمنعها من دخول القصر الفلاني أو المكان الذي تريد.

وبعد تعالي الصرخات والأصوات المنادية لحماية الإنسانية، وبعد صور الجنازات الجماعية للأطفال العراقيين، وافق مجلس الأمن الدولي على «اتفاقية النفط مقابل الغذاء» في كانون الأول 1996. فحددت بعض أنواع الأغذية والأدوية التي تم بيعها للعراق مقابل كمية محددة من النفط.

الضربات العسكرية مجدداً:

تسارعت الأحداث بشكل كبير، عندما أعلن العراق أواخر عام 1998، أن لجنة نزع الأسلحة العراقية «أونسكوم» تعمل بالتجسس على العراق لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأُعلن عن طردها من العراق، وعن رفضه للتعامل معها بشكل مطلق. وبعد عدة تحذيرات وتهديدات للعراق من الولايات المتحدة وبريطانيا بمعاودة قصف المنشآت العراقية إن بقي النظام العراقي على موقفه. قامت القوات العسكرية من جديد بقصف أهداف عراقية وذلك من البوارج الحربية المنتشرة في الخليج في 15 كانون الأول 1998. ثم تبع ذلك غارات جوية يومية ومكثفة من القوات الأمريكية والبريطانية على الأراضي العراقية في الشمال والجنوب والوسط. ما أدى إلى وقوع المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين العراقيين.

وتواصلت العمليات العسكرية على العراق ولغاية ساعات قليلة قبل بداية شهر رمضان المبارك حيث توقفت إكراما للشهر.

وكانت الولايات المتحدة قد صرحت بأنها ستعمل على تغيير النظام العراقي فعملت على تقوية ودعم المعارضة ولكن دون جدوى.

الخسائر العراقية من جراء الحظر:

إزاء الظروف المأساوية التي يمر بها الشعب العراقي عقب الحظر الاقتصادي المفروض عليه منذ شهر آب 1990 بلغت حصيلة الضحايا حتى آب 1999 ما يقارب من مليون و187 ألفاً و486 شخصاً، وتضاعفت نسبة وفيات الأطفال قد عما كانت عليه من قبل بسبب الحصار.

وأما الخسائر المالية جراء الخطر النفطي المضروب عليه من آب 1990 فقد تجاوزت 200 بليون دولار حتى آب 1999، نتيجة توقف الصادرات النفطية طيلة هذه الأعوام، إضافة إلى تعطل التجهيزات النفطية، وانخفاض القدرة الانتاجية للحقول وطاقة التصدير في موانئه.

وأما إذا احتسبت الصادرات غير النفطية، فإن الخسائر ستزيد حتى 250 بليون دولار، علماً أن العراق يعد ثاني أكبر قوة نفطية في العالم بعد المملكة العربية السعودية.

غزو العراق وسقوط بغداد:

منذ وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض وهو يحاول التأثير على مجلس الأمن لكي يصدر المجلس قراراً يجيز تنظيم حملة عسكرية تطيح بنظام الرئيس صدام حسين، إلا أن مجلس الأمن لم يحقق له رغبته هذه بسبب معارضة كل من فرنسا وروسيا والصين وتهديدهم باستخدام حق النقض (الفيتو) مما دفع الولايات المتحدة بالتنسيق مع إنكلترا واستراليا وبعض الدول الأخرى إلى شن حملة عسكرية على العراق بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها دون صدور قرار من مجلس الأمن يجيز ذلك. وتم بالفعل غزو العراق وسقطت بغداد بتاريخ 9/4/2003م.

وتمكنت القوات الأمريكية عشية يوم السبت 13 كانون الأول 2003؛ أي بعد 8 أشهر من سقوط بغداد في قبضتها، من اعتقال الرئيس العراق المخلوع صدام حسين الذي كان يختبئ في منزل يقع على بعد 15 كيلومترا في بلدة الدّور بجنوب مدينة تكريت، مسقط رأسه.

 


 






 

 

 

سكريبت الوطن العربي ... برمجة  2006

عداد الزوار