عُمان
سلطنة عمان
كلمة «عمان» كانت في الأصل «قجان» أو «مغان». وهو اسم خام النحاس
الذي تخصصت هذه المنطقة المناجم وصناعته سلاح الحضارات منه. وما زالت آثار المناجم
موجودة بل وما زالت المراجل تنفث نارها في مناجم «سحار» حتى الآن. وهناك قول أن اسم
«عُمان» يدل على لفظة مشتقة من اسم رجل يدعى عمان بن قحطان، نسبة إلى أول من استوطن
الأراضي العمانية من القبائل العربية التي قدمت من اليمن ومن الشمال في شبه الجزيرة
العربية.
الموقع:
تقع سلطنة عمان في أقصى الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة
العربية. يحيط بها البحر من ثلاث جهات، فالمحيط الهندي وبحر العرب من الجنوب
والشرق، والخليج العربي من الشمال. والربع الخالي يفصل بينها وبين المملكة العربية
السعودية لجهة الغرب.
حدودها مشتركة من جهة الشمال الشرقي مع دولة الإمارات العربية
المتحدة، وهناك جزء من أراضي الامارات يفصل أراضي عمان عن رأس مسندم العماني الواقع
في أقصى الطرف الشمالي من عمان والمطل على مياه مضيق هرمز، بينما تتاخم حدود منطقة
ظفار في الجنوب الغربي لدولة اليمن. ويمتد الساحل العماني لمسافة 1700 كلم تقريباً
من مدخل الخليج العربي في الشمال إلى نقطة تقع في الوسط من الشاطىء الجنوبي لشبه
الجزيرة العربية.
تبلغ مساحة سلطنة عمان بين حدي مسندم في الشمال وظفار في الجنوب
حوالي 310 ألف كم وتعد مقاطعة ظفار هي أكبر المقاطعات في البلد 100 ألفكم2. وبذلك
تكون سلطنة عمان البلد الثاني في شبه الجزيرة العربية من حيث المساحة بعد المملكة
السعودية.
وتؤلف بحكم موقعها الإستراتيجي مفتاحاً للخليج العربي حيث يقع
مضيق هرمز ضمن مياهها الاقليمية. وبذلك تسيطر عمان جغرافياً على أقدم وأهم الطرق
التجارية البحرية في العالم أما عدد السكان في السلطنة فيبلغ تعدادهم حوالي
المليوني نسمة، وينتمي الغالبية العظمى منهم إلى المذهب الإباضي. وهناك أقلية كبرى
(حوالي ربع السكان) من المسلمين السنة ومن المرجح أن تسمية الإباضيين قد أطلقت
عليهم في بداية العهد الأموي نسبة إلى عبد الله بن إباض الذي عاصر معاوية ابن أبي
سفيان ومروان بن الحكم. بيد أن مؤسس المذهب الإباضي هو جابر بن زيد الأزدي العماني
المولود في بلدة الفرق والمتوفى في البصرة سنة 93 هـ.
نبذة تاريخية:
في التاريخ القديم:
يعود تاريخ عمان إلى حوالي 3 آلاف عام ق.م. حيث كانت تعرف باسمها
السومري «مغان» وقد عاصرت مملكة مغان مملكة دلمون في البحرين ومملكة مالوخا في
الهند، وقد أسهم موقع عمان بين حضارتين عريقتين حضارة الهند وحضارة بلاد ما بين
النهرين في تحديد مسارها التاريخي.
وقد كان جزءاً من نشاط حضارة مغان صهر النحاس وتصديره إلى بلاد ما
بين النهرين وهذا يدل على أن حضارة قديمة قد قامت وتطورت على الأراضي العمانية.
ويرجح المؤرخون أن حضارة مغان بدأت بالأفول مع الإجهاز على
السومريين في بلاد ما بين النهرين وقدوم الآشوريين (1200 ق.م.) ثم الفرس (580
ق.م.).
عمان في الدولة الإسلامية:
مع ظهور الدين الإسلامي كان عبد وجيفر ابنا الملك الجلندي
يحكمان عمان. وقد أرسل إليهما النبي محمد صلى الله عليه وسلّم كتاباً حمله عمرو بن
العاص طلب إليهما فيه اعتناق الدين الإسلامي (وذلك في السنة السادسة للهجرة) فاعتنق
الأخوان الدين الجديد دون تحفظ ولم ينقض إلا قليل من الوقت حتى عم الإسلام في عمان.
وبهذا الفتح الطوعي احتلت عمان والعمانيون مكانة خاصة عند المسلمين وعند رسول الله
الذي ورد عنه أنه قال: «رحم الله أهل الغبيراء (عُمان) آمنوا بي ولم يروني».
وقد لعب العمانيون منذ فجر الإسلام دوراً فعالاً في تثبيت الإسلام
ونشره، وأسهموا في قمع حركات المرتدين، كما شاركوا لاحقاً في نشر الإسلام في آسيا
وأفريقيا وعملوا على توطيده في شمال أفريقيا.
ومع بداية العهد الأموي قوي أمر الخوارج في عمان، وانتشر بينهم
رأي عبد الله بن إباض المتوفي عام 86 هـ. وعندما سقطت دولة بني أمية بويع جلندي بن
مسعود إماماً على منطقة عمان عام 135 هـ. غير أن قوات أبي العباس السفاح قد تمكنت
من قتل جلندي وبسط نفوذ العباسيين على تلك الجهات.
وفي أيام الرشيد بايع العمانيون محمد بن عفان إماماً لهم، وبعد
عامين أنتخبوا وارث بن كعب، وبعث هارون الرشيد قوة لإخضاع عمان لكنها هزمت قرب
صحار، وأسر قائدها عيسى بن جعفر.
حاول القرامطة غزو عمان مرتين أيام أبي سعيد الجنابي، غير أنهم لم
يتمكنوا من ذلك، وزالت كل سلطة للعباسيين على عمان منذ نهاية القرن الرابع الهجري.
وبدأ العمانيون بالانفصال عن الخلافة الإسلامية. وكانوا يختارون الأئمة من بينهم،
غير أن الإمام ربما يخلع ويختار غيره. ثم أصبح الأمر وراثياً منذ منتصف القرن
السادس مع تسلم آل نبهان حكم عمان وذلك حوالي 543 هـ 1154م. وامتد نفوذ آل نبهان
إلى شرقي أفريقيا وبرز منهم قحطان بن عمر الذي حكم عام 670 هـ ثم ضعف أمر بني نبهان،
وخضع ساحل عمان لمملكة هرمز التي قامت في مطلع القرن الثامن الهجري بعد أن دمرت
هجمات المغول مدينة هرمز القديمة. فانتقل أهلها إلى جزيرة جرون المقابلة لمدينتهم
وعرفت الجزيرة بعدئذ باسم هرمز. ونشطت التجارة فيها، وقامت فيها إمارة فرضت سيطرتها
على المناطق المجاورة من البحرين إلى عمان.
بعد ذلك قام حاكم البحرين أجود بن زامل الجبري وقضى على حكم
الأسرة النبهانية عام 829 هـ، وولى عليها عمر بن الخطاب الاباضي. واستمر حكم
الإباضيين فيها حتى جاء البرتغاليون عام 913 هـ وكان يحكمها آنذاك محمد بن اسماعيل
الخروصي والذي استمر حكمه من 906 ـ 942.
الاحتلال البرتغالي لعمان:
وصل البحار البرتغالي «ألفونسو دي أبوكرك» إلى الهند عام 904 هـ
1502م. وكانت هذه أول زيارة له للهند، فوضع خطة للاستيلاء على منافع البحر الأحمر
والخليج العربي لاستمرار السيطرة البرتغالية. فوضع خطة محكمة تقضي باحتلال عدن
لتأمين باب المندب وإغلاق الملاحة في البحر الأحمر، وباحتلال هرمز والمرافىء
العمانية والسيطرة على التجارة في الخليج.
وفي 10 آب 1508 م / 912 هـ. أنطلق الهجوم على جزيرة سوقطرة
اليمنية ثم اقتحمت السفن البرتغالية في أقل من 10 أيام أربع مدن عمانية وأحرقتها
وهي: قلهات ـ قريات ـ مسقط وخورفكان. ونكلت القوات البرتغالية بالأهالي بصورة وحشية
وفي الشهر نفسه احتلت جزيرة هرمز. وفرض على ملكها سيف الدين دفع جزية سنوية
للبرتغاليين وليس للفرس.
هذه الأعمال الوحشية التي قام بها البرتغاليون والقرصنة التي
لجؤوا إليها في الخليج وبحر العرب، والمحيط الهندي، أثارت مشاعر السكان فكانوا
يتحينون الفرص المناسبة للثورة على الغزاة البرتغاليين. ففي عام 928 هـ انتفض أهل
الخليج جميعاً من قلهات حتى البحرين، وكانت الحركة بقيادة شيخ هرمز شاه بندر الذي
يخضع للبرتغاليين وقد أمر شاه بندر بإحراق المراكب البرتغالية، وقتل الحامية، وعمت
هذه الحركة المراكز كلها باستثناء مسقط التي كان حاكمها الشيخ راشد على خلاف مع
حاكم هرمز. وجاءت النجدة للبرتغاليين من الهند، فاضطر حاكم مسقط الشيخ راشد أن يهرب
من مدينته وأن يترك الأمر للوالي ولأمير شاه، إلا أن القائد البرتغالي تمكن من
إخضاع مسقط، ثم توجه إلى صحار فدمرها، ومنها انتقل إلى هرمز فدمروها أيضاً. وأثناء
كل ذلك فإن العثمانيين قد حاولوا مراراً ارسال النجدات البرية والبحرية لأيقاف
البربرية البرتغالية، فكانت المعارك تدور على أشدها بين العثمانيين وبين
البرتغاليين، وقد استطاع العثمانيون في عدة معارك الانتصار على البرتغاليين
وحلفاءهم الصفويين.
بدأ النفوذ البرتغالي يضعف في منطقة الشرق ومنها عمان، إذ احتلت
اسبانيا البرتغال عام 988 هـ. وكان الإنكليز قد وضعوا قدمهم في منطقة الخليج بفضل
اتصالاتهم مع الدولة الفارسية عام 996 هـ. فأسسوا شركة الهند الشرقية الإنكليزية
عام 1008 هـ 1600م. وبدأت التجارة مع الشاه عباس الصفوي الذي عمل على بناء ميناء
جديد مقابل لميناء هرمز وأسماه «بندر عباس» وقد استطاع هذا الميناء أن يطغى على
ميناء هرمز، وقام الفرس بالتعاون مع الإنكليز بالإستيلاء على هرمز من البرتغاليين
عام 1040 هـ 1615م.
وأخير قوي أمر أهل عمان بمجيء اليعاربة إلى الحكم عام 1050 هـ ـ
1624 هـ.
الدولة اليعربية وتصفية الوجود البرتغالي:
بعد مرحلة طويلة من التمزق الداخلي، وتجذر الروح القبلية، إضافة
إلى الاحتلال الأجنبي. اجتمع حوالي سبعون من نخبة علماء عمان الاباضيين في قرية
قصوى، في منطقة الرستاق عام 1624م. وانتخبوا ناصر بن مرشد بن مالك اليعربي مرشداً
وإماماً، إلا إنه اشترط وبشكل غير عادي الولاء التام، فأدى العلماء القسم على ذلك.
وقد استطاع الامام ناصر بن مرشد بفضل سياسته الثابتة والحازمة
تجاه القبائل المتمردة أن يخضع كافة الممالك الصغيرة في المقاطعات والمناطق، ثم
سقطت في يده القرى والمدن الواحدة تلو الأخرى.
بعد ذلك بدأ بدحر الاحتلال البرتغالي فاستطاع أن يطرده من كل
أنحاء عمان باستثناء بعض المناطق المحصنة مثل: مسقط، ومطرح، وصحار. توفي ناصر بن
مرشد عام 1050 هـ ـ 1649م. بعد 26 سنة من الحكم، وكانت انجازاته تاريخية. فمحى آثار
خمسة قرون من التمزق.
وخلفه ابن عمه سلطان بن سيف بن مالك اليعربي، الذي استطاع أن ينقذ
مسقط من أيدي البرتغاليين، كما أخذ قائده سعيد بن خليفة قلعة الميراني المشهورة في
مسقط. وعلى عهده قويت الدولة العمانية كثيراً حتى إنها شنت هجوماً على منطقة ديو
قرب خليج بومباي، وقام ببناء قلعة نزوى الشهيرة التي موَّل بناءها من الغنائم التي
حملتها القوات العمانية من معركة ديو، وقد دام بناؤها حوالي 12 سنة.
وفي عام 1090 هـ ـ 1688 م توفي السلطان بن سيف وخلفه ابنه بلعرب
الذي كان مشهوراً بسخائه حتى لقب بـ«أبي العرب».
وعلى الرغم من كفاءة بلعرب، إلا أن انتخابه أعطى مؤشراً على بداية
تغيير طبيعة الإمامة في التاريخ الحديث، إذ بدا أن الإمامة تتحول من الانتخاب إلى
الوراثة. وهذا ما حدث بعد ذلك، إذ تعاقب ذلك توالي سبعة أئمة ينتمون إلى الأسرة
نفسها، لكن الأخيرين منهم لم يتمتعوا بشرعية كلية. فأعيد انتخاب سيف بن سلطان ثلاث
مرات، وعليه تقع مسؤولية إنهاء التجربة اليعربية، ومسؤولية إهانة وطنه بطلبه مساعدة
من الفرس في محاولة يائسة لتوطيد إمامته، الأمرالذي أدى إلى اندلاع حرب أهلية طويلة
الأمد.
وعلى الرغم من كل ذلك، كانت عمان قد توصلت خلال تلك الفترة إلى
تحرير البحرين من الفرس، كما احتل العمانيون مواقع على الساحل الفارسي مثل قشم،
لارك، هرمز. وهكذا تم إرساء السيطرة العمانية على منطقة الخليج والتي سوف تستمر حتى
القرن التاسع عشر ميلادي. إن هذه الحروب الأهلية قد أدت إلى سقوط أكثر من أربعين
ألف قتيل من الجانبين.
ومع ضمور التقاليد الإباضية، في هذه الحرب، وضعف نفوذ العلماء
وأهل الحل والعقد، التف العمانيون حول قبائلهم، وبدأت هذه الأخيرة تلعب دوراً
سياسياً متنامياً على حساب الامامة والوحدة الاجتماعية، ولوضع حد للنزيف اتفق
العلماء على ترشيح شخصية من خارج الأسرة اليعربية. فانتخب محمد بن ناصر الغافري
إماماً عام 1724م. لكنه قتل في إحدى المعارك في صحار عام 1728، فأعيد انتخاب سيف بن
سلطان فعادت المشاكل من جديد. إلى أن تمت البيعة لرجل آخر جديد هو سلطان بن مرشد
اليعربي وبموته انتهى عهد الدولة اليعربية عام 1740.
دولة البوسعيديون:
انتهى نظام الإمامة مع الدولة اليعربية إبان الحرب الأهلية (1728
ـ 1738 م) وبدأ نظام السلطنة مع مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد الذي
استطاع أن يوقف الحرب الأهلية، ويخرج عمان من أزمتها الداخلية، وطور إدارة البلاد،
وبنى اسطولاً تجارياً وبحرياً، ووطد موقع دولته كقوة أقليمية في المحيط الهندي
والخليج العربي. وأعاد تثبيت سلطة عمان على الممتلكات العمانية في شرقي أفريقيا.
وداخلياً تمكن الإمام أحمد من القضاء على حركتي تمرد قام بها
ولداه سيف وسلطان. وبدأ يغير في بنية السلطة مبتعداً عن النموذج التقليدي الإباضي
للإمامة. فلم تعد تستند إلى العلماء وحدهم، فضعف نفوذهم.
خلافة الإمام أحمد وانقسام الدولة:
هيأ الإمام أحمد أبناءه لخلافته في الحكم ومنحهم لقب «السادة».
وعقب وفاته عام 1783م. 1191 هـ. انتخب ابنه الرابع سعيداً إماماً
الذي أرغم على التنازل عن الحكم لصالح ابنه حمد بن سعيد الذي نقل العاصمة من نزوى
إلى مسقط. ولكن حمداً لم يلبث أن توفي في السنة نفسها التي تولى فيها الحكم، وبذلك
تجدد الصراع على السلطة بين سعيد وأخويه قيس وسلطان، وكانت النتيجة اجتماعاً بين
ورثة السلطة أسفر عن عقد اتفاق يتعلق بتقسيم عمان بين: سعيد الذي بقي في الرستاق
وسلطان استولى على السلطة في مسقط، وقيس اتخذ منطقة صحار قرب مضيق هرمز مركزاً
لسلطته.
وفي سنة 1798، نجح الإنكليز من خلال أحد ممثلي شركة الهند الشرقية
في بوشهر في إقناع السيد سلطان بضرورة عقد اتفاق مع بريطانيا الذي تم توقيعه في 12
تشرين الأول 1798 ويقضي بصورة رئيسية إلى تحييد عمان وقطع علاقاتها مع الفرنسيين عن
طريق استرجاع المقر الذي أعطي للوكالة الفرنسية في مسقط.
بعد ذلك بدأ المد الوهابي بالوصول إلى عمان، فطلب السيد سلطان
المساعدة العسكرية من البريطانيين والفرنسيين والعثمانيين، إلا أن الدعوة الوهابية
كانت قد كسبت مؤيدين ومريدين كثر لها بين القبائل في المنطقة.
سعيد بن سلطان البوسعيدي (1806 ـ 1856 م):
خلال السنتين اللتين تلتا وفاة السيد سلطان بن أحمد دخلت عمان من
جديد طور الصراعات الداخلية بين ولديه القاصرين: سالم وسعيد وولدي عمهما قيس وبدر.
وبفضل النفوذ الوهابي انتصر بدر ووافق على دفع مبلغ سنوي للدرعية، إلا إنه قتل في
الصراع العائلي، فاستولى على الحكم سعيد بدءاً من عام 1807 وحكم طوال نصف قرن وكان
أول سيد لعمان لقب بـ«السلطان». وكان قوياً وطموحاً. وعاشت عمان عصرها الذهبي في
النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي في ظل هذا السلطان. فالنفوذ العماني اتسع
حتى شمل زنجبار وبعض الأجزاء الأخرى من شرقي أفريقيا بالإضافة إلى المقاطعات
الجنوبية من بلاد فارس وبلوشستان.
ثويني بن سعيد (1856 ـ 1866 م):
بعد وفاة السلطان سعيد في 30 تشرين الأول 1856، أعلن ثويني نفسه
الوريث الوحيد للسلطة في عمان وتوابعها. لكن ماجداً، الابن الآخر للسلطان سعيد،
أعلن نفسه بعد وفاة أبيه سلطاناً على زنجبار. وهو ما كان يعني عملياً انفصال القسم
الأفريقي عن عمان. وقد عمل الإنكليز على تأكيد هذا الانفصال وأجبرت ثويني على قبول
هذا الانفصال في اتفاق وُقع في 31 أيلول 1859م.
وهكذا فإن تاريخ عمان بعد انفصال القسم الافريقي دخل طور
الانحدار، فقد انتقل التجار والأثرياء إلى القسم الأفريقي، الذي كان أكثر ازدهاراً،
وعانت البلاد من تدهور اقتصادي إضافة إلى الصراعات الداخلية التي كانت تواجهها
الدولة ضد الوهابيين.
وبينما كان السلطان ثويني يعد ابنه مع قوة مسلحة لمواجهة
الوهابيين فإذا بابنه يدخل عليه ويقتله ليتسلم الحكم من بعده.
سالم بن ثويني (1866 ـ 1868 م):
دعمت القبائل الغافرية (حليفة الوهابيين) سالماً. وقد ظهر أول
تحدي لسلطة سالم من جانب عمه السيد تركي بن سعيد الذي وجد معارضة قوية له من
الإنكليز (وكان تركي ضد القرار الإنكليزي بفصل زنجبار عن عمان) واعترفت بريطانيا
بسالم وفتحت قنصلية في مسقط.
عزَّان بن قيس والثورة الجديدة:
في أيلول 1869 سار عزان بن قيس (من وجوه اسرة البوسعيدي) على رأس
قوة مدعومة من العلماء إلى مسقط وأسقطها، فتدخل الإنكليز وأنقذوا سالماً فنقلوه إلى
بندر عباس وبويع عزان بالإمامة وانتهى بها نظام السلطنة وشكل مجلس الشورى. ثم وقع
اتفاقية معاهدة مع الوهابيين في واحة البريمي.
ومع أن نظام عزان لقي اعترافاً دولياً ملحوظاً إلا إن الأحداث
المتسارعة التي أعقبت هذا الاعتراف قضت على نظام عزان، فقد استطاع تركي بن سعيد قلب
النظام بعد ما لقي الدعم المطلوب من بريطانيا وقبائل الغافري وكذلك المساعدة
المالية من زنجبار. وهكذا استطاع إلحاق الهزيمة بجيش عزان وقتله مطلع عام 1871م.
تركي بن سعيد (1871 ـ 1888 م):
أعاد تركي بمساعدة بريطانية نظام السلطنة، لكنه لم يسيطر على
الوضع تماماً في الداخل فقد كان من أهم معارضيه زعيم الإباضية وداعم ثورة عزان
الشيخ صالح بن علي الحارثي.
كما حاول تركي مجدداً إعادة الوحدة مع زنجبار إلا أن بريطانيا
أفشلت الموضوع. وبقي الوضع على ما هو عليه حتى تسلم ولده فيصل بن تركي.
فيصل بن تركي (1888 ـ 1913 م):
حاول فيصل منذ توليه إرضاء الثوار فلقب نفسه بالإمام بدلاً من
السلطان ومع ذلك فإن الثوار لم يرضوا وخاصة بعدما وقعت السلطنة «معاهدة الصداقة» مع
بريطانيا التي عارضها العمانيون بشدة، فكان تحالف قبائل عمان مع بعضها ضد فيصل
وقامت بمهاجمة مسقط وكان إمام الإباضية عبد الله ابن الشيخ الحارثي، فهرب السلطان
فيصل من عاصمته. لكنه عاد واستردها في 10 أذار 1894. ونتيجة عدم مساعدة بريطانيا له
في هذه المحنة حاول فيصل إقامة علاقة جيدة مع فرنسا، إلا أن بريطانيا وبمالها من
نفوذ وقوة كبيرين في ذلك الوقت استطاعت منع أي مساعدة للسلطان، بل راحت تجهز ابنه
تيمور لخلافته فإرسلته إلى جامعاتها في الهند. وفي شهر تشرين الأول 1913 توفي
السلطان فيصل وخلفه ابنه تيمور.
تيمور بن فيصل (1913 ـ 1932 م):
سعى تيمور لإخماد نار الثوار بالتفاوض معهم، غير أنهم لم يقبلوا
بأي تنازل، بل شنوا عليه هجوماً كبيراً بقيادة الشيخ عيسى بن صالح الحارثي، إلا أن
السلطان تمكن وبمساعدة من الجيش الإنكليزي من الانتصار على القبائل، ولكنهم لم
يقضوا عليهم، بل ظلت الأوضاع على ما هي عليه فكان السلطان تيمور مسيطراً على مسقط
والمدن الساحلية، وكان الإمام مسيطراً على بقية المناطق. وفي عام 1920 وقعت «معاهدة
السيب» بين السلطان تيمور والقبائل التي كان يمثلهم الشيخ عيسى بن صالح الحارثي.
وهكذا أصبحت عمان منذ توقيع تلك المعاهدة في 25/9/1920 ولمدة
حوالي نصف قرن مقسمة بشكل فعلي إلى عمان الساحل تحت سلطة السلطان، ومسقط وعمان
الداخل تحت سلطة الإمام. ثم عمدت بريطانيا على إغراق السلطان تيمور بالديون، فأدرك
السلطان عجزه عن القيام بأي شيء فتخلى في عام 1932 عن العرش لولده سعيد.
سعيد بن تيمور 1932 ـ 1970 م):
تولى سعيد بن تيمور الحكم رسمياً في 10 شباط عام 1932، وكان في
العشرين من العمر. تربى سعيد في مدرسة الأمراء في مايو في مقاطعة أجمير في الهند.
عمد سعيد إلى فرض ضرائب باهظة على الشعب بحجة
تسديد الديون لبريطانيا فكانت البلاد تعيش في حالة تخلف تام وكأنها في القرون
الوسطى واستمرت على هذه الحال طيلة عهده أي حتى عام 1970.
وبالنسبة لسلطة الإمام فقد توفي الإمام محمد بن
عبد الله الخليلي، فانتخب الإمام طالب بن علي مكانه وقد عمل على استرجاع بعض ما
فقدته الإمامة من نفوذ، إذ أن السلطان إضافة إلى تدعيم سلطته في المناطق الساحلية
أخذ يمد نفوذه شيئاً فشيئاً إلى بعض المناطق الأخرى. فأعلن الإمام الثورة على
السلطان لكنه وبمساعدة القوات الانكليزية استطاع إفشال ثورته. واستطاع الإمام طالب
بن علي شقيق الإمام غالب من الهرب إلى السعودية ومنها إلى القاهرة حيث أسس مكتباً
لنصرة عمان.
الدول العربية تثير القضية في الأمم المتحدة:
لاقى مكتب نصرة إمامة عمان في القاهرة دعماً
كبيراً من السلطات المصرية زمن الرئيس جمال عبد الناصر، فعاد الإمام طالب إلى عمان
في صيف 1957م. وقاد ثورة مسلحة ضد السلطان، وراح يهدده بشكل واضح، فاستعان السلطان
سعيد مجدداً بالإنكليز فتمكن من إعادة سلطته وتدعيم موقعه.
إلا أن الأوضاع السيئة التي كانت تعيشها عمان
نتيجة الحظر المفروض عليها من كافة الجوانب دعا العديد من الدول العربية إلى طرح
«القضية العمانية» على الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشتها وذلك عام 1960.
فأفشلت بريطانيا المناقشة ثم أثير الموضوع مجدداً عام 1961 وكذلك أفشل الموضوع.
إلا أن إصرار العديد من الدول العربية على طرح
هذا الموضوع دعا بالأمم المتحدة إلى إرسال لجنة عام 1963 لتقصي الحقائق، إلا أن هذه
اللجنة وضعت تقريراً منافياً لأخبار الدول العربية، فاتهمتها الدول العربية والعديد
من دول العالم الثالث بالانحياز لبريطانيا فتكونت لجنة ثانية من أعضاء الأمم
المتحدة لدراسة القضية العمانية كانت نتيجتها أن وضعت تقريراً يوصي بأن تنهي
بريطانيا «حمايتها» أو احتلالها لعمان فوراً.
ثورة ظفار:
اندلعت ثورة ظفار عام 1963 بقيادة «جبهة تحرير
ظفار» التي كانت تتألف من عناصر مختلفة المشارب السياسية. وبعد مؤتمر حمرين عام
1968 أصبح توجه هذه الجبهة ماركسياً، بفضل الدعم اليمني الجنوبي (سابقاً).
وقد لاقت هذه الجبهة تأييداً واسعاً من مختلف
القطاعات نتيجة حالة البؤس والحرمان والضنك الذي كانت تعيشه البلاد. وقد حققت أفواج
هذه الثورة انتصارات كبيرة وكادت تقضي على السلطان سعيد، إلا أن السلطان قابوس ابن
السلطان سعيد تسلم زمام الحكم في 23 تموز 1970.
السلطان قابوس بن سعيد (1970 ـ.... م):
بعد توليه الحكم في 23 تموز 1970بادر السلطان
قابوس إلى جعل اسم «سلطنة عمان» الإسم الرسمي لدولته، وعمد إلى نهج سياسة جديدة
قائمة على إزالة كل مظاهر التخلف الشديد التي طبعت عهد السلطان سعيد، والانفتاح على
العواصم العربية والأجنبية. أراد السلطان قابوس (الذي كان متفهماً ومتعاطفاً مع
كثير من مطالب الثوار قبل تسلمه السلطة) أن يخرج الجيش العماني من مأزقه، فطلب
دعماً من الأردن، ثم من المملكة العربية السعودية، وكذلك من باكستان، وفي عام 1973
أرسل شاه إيران حملة عسكرية مؤلفة من 8 آلاف رجل (مزودة بطائرات هيليكوبتر وسفن
حربية)، فنزل قسم منهم في صلالة عاصمة ظفار. وبدأت المعارك مع الثوار. وفي أقل من
سنتين، تمكن السلطان قابوس مع هذه القوات من القضاء نهائياً على هذه الثورة.
النهضة العمرانية والاقتصادية في عهد السلطان
قابوس
ما إن توصل السلطان قابوس إلى القضاء على
ثورة ظفار 1975، حتى وقع اتفاق لوقف إطلاق النار مع جمهورية اليمن الجنوبي (الذي
كان الداعم الأساسي للثورة) وذلك في 11 أذار 1976.
بعد ذلك، أطلق السلطان قابوس بن سعيد خطته
التنموية الأولى. أعقبها بالثانية فتحقق تقدم، أجمع المؤرخون على اعتباره فريداً من
نوعه وقياسياً، إذ نقل عمان وفي غضون سنوات قليلة من عصر القرون الوسطى إلى العصر
الحديث، وعلى مختلف الأصعدة والقطاعات خاصة في التربية والتعليم والمواصلات.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية فقد وضع السلطان
قابوس خطوط عريضة لهذه العلاقات أهمها:
ـ انتهاج سياسة حسن الجوار مع الجيران وعدم
التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة.
ـ تدعيم علاقة عمان مع مختلف الدول العربية،
وإقامة علاقات ودية مع باقي دول العالم.
ـ الوقوف إلى جانب القضايا العربية في المجالات
الدولية.
ـ الالتزام بالخط الذي تسير عليه دول العالم
الثالث.
انضمت عمان إلى جامعة الدول العربية عام 1971
وكذلك إلى الأمم المتحدة في ذات العام. وقد ارتفع عدد البعثات الدبلوماسية المعتمدة
لدى سلطنة عمان من 5 بعثات عام 1979 إلى 75 بعثة في عام 1980. وانفردت عمان بعدم
قطع علاقاتها مع مصر بعد زيارة الرئيس المصري السادات إلى إسرائيل.
ولدى قيام مجلس التعاون الخليجي في عام 1981
انضمت سلطنة عمان إلى عضويته، وما لبثت أن أصبحت عضواً فاعلاً ومؤثراً.
وفي 2 حزيران عام 1995م صدر بيان صحفي مشترك
بمناسبة الاحتفال بانتهاء ترسيم الحدود الدولية بين الجمهورية اليمنية وسلطنة عمان.
في 10 تموز عام 1995م جرى التوقيع على الخرائط
النهائية للحدود بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
في العام 1996م صدر أول دستور في سلطنة عمان ينظم
شؤون الدولة ويحدِّد المبادىء العامة لسياستها في الداخل والخارج.
في عام 1997م جرت انتخابات الولاية الثالثة لمجلس
الشورى.
في عام 1998م تقبل السلطان قابوس في قصر العلم
أوراق اعتماد أول سفير فلسطيني لدى سلطنة عمان مفوض من قبل الرئيس الفلسطيني ياسر
عرفات. وقد امتازت سياسة السلطان قابوس بحسن الجوار مع الجيران وعدم التدخل في
الشؤون الداخلية لأية دولة، وتدعيم علاقات عمان مع الدول العربية وإقامة علاقات
ودية مع دول العالم، والوقوف بجانب القضايا العربية.
|