بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن عبد
الله بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن أحمد المجبوي أخبرنا سعيد
بن مسعود أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن السدي عن أبي سعيد الأزدي عن
زيد بن أرقم قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان معنا ناس من الأعراب وكنا
نبدر الماء وكان الأعراب يسبقونا فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل النطع
عليه حتى يجيء أصحابه فأتى رجل من الأنصار فأرخى زمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه
الأعرابي فأخذ خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه فأتى الأنصاري عبد الله بن أبي رأس
المنافقين فأخبره وكان من أصحابه فغضب عبد الله بن أبي ثم قال: لا تنفقوا على من
عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله يعني الأعراب ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى
المدينة فليخرج الأعز منها الأذل قال زيد بن أرقم وأنا ردف عمي: فسمعت عبد الله
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق وكذبني فجاء إلى عمي فقال: ما أردت أن
مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك المسلمون فوقع علي من الغم ما لم يقع على
أحد قط فبينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاني فعرك أذني وضحك في
وجهي فما كان يسرني أن لي بها الدنيا فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
سورة المنافقين (قالوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسولُ اللهِ) حتى بلغ (هُمُ الَّذينَ
يَقولونَ لا تُنفِقوا عَلى مَن عِندَ رَسولِ اللهِ حَتّى يَنفَضُّوا) حتى بلغ
(لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الَأذَلَّ).
قال أهل التفسير وأصحاب السير: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق فنزل
على ماء من مياههم يقال له المريسيع فوردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير من
بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني
العوف من الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الغفاري يا
معشر المهاجرين فلما أن جاء عبد الله بن أبي قال ابنه وراءك قال: ما لك ويلك قال:
لا والله لا تدخلها أبداً إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتعلم اليوم من
الأعز من الأذل فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه فأرسل
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارتحل عنه حتى يدخل فقال: أما إذ جاء أمر النبي
عليه الصلاة والسلام فنعم فدخل فلما نزلت هذه السورة وبان كذبه قيل له: يا أبا حباب
إنه قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك فلوى
رأسه فذلك قوله (وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالوا يَستَغفِر لَكُم رَسولُ اللهِ لَوَّوا
رُؤُوسَهُم) الآية.