الجزء الثاني من سلسله
( أطفال في الحروب )
(بينما كنا نحن نحيا بعيدا)
........بدأت المعارك تحتدم وبدأنا نحس من دون أن يصلنا أي أخبار من أي طرف إن ما يحدث إنما حدث جلل إنها الاشاره التي لا تكذب , بدأت تتوافد على حينا مثله مثل كل الأحياء في المدينة , سيارات الاجره ذات اللون البرتقالي والأبيض وفوقها نعوش ملفوفة بالأعلام تحوم في الحواري تلقي ثقل همها أمام الأبواب المنكوبة , تنظرها العيون وتتوقف مع فراملها الافئده , كانت تتوقف في بعض الأحيان أمام بيوت وتستقبل بالعويل والصراخ من ثم يكون خطأ في العنوان معظم النعوش لم تكن لتفتح وبعضها لا يزن إلا بضع كيلوغرامات من بقايا إنسان كان له كيان و يحيا و له أحلامه وتطلعاته .
كانت أمي وراء الستائر تنظر تخشى أن تزيل الستائر من أمامها لعلها تحميها من الخوف أو لتستر خوفها عن الشارع والمارة لم تكن أمي الوحيدة التي تقوم بذلك كانت كل نساء الحي كذلك وبعد مغادره سيارات الموت الحارة تبدأ الاتصالات بين الجارات إذ أن ليس منهم من يقوى على الحركة والوقوف بعد ذلك حتى يستعيدوا وعيهم كانت النساء تدرّس في المدارس حتى مدارس الذكور الاعداديه والثانوية و يبعن الخضار في السوق ويوصلن ابناأهن إلى مدارسهم ويقمن بمهام الرجال كانت رؤية رجل في الشارع غريبة الرجال في الجبهة والنساء يملأن المكان .
سكن الجميع وتنفسوا الصعداء ثم بدأت الحياة تدب من جديد وبدأن الحركة ربما بعد لفافة سجائر وربما فنجان قهوة تلك هي الأساليب التي كانت تحتال بها النساء على أعصابهن بعد كل مره .
كل ذلك وأنا كنت العب في الغرفة مع اخيتي الصغيرة ولم نعر الموضوع اهتماما ربما لأننا كنا نعلم أو نستشعر أن أبي ليس منهم أو لأننا لم نفهم ذاك آن ذاك .
دخلت أمي الغرفة وكانت منهارة تماما فوجدتنا نلعب وقد نثرنا الألعاب على طول الغرفة وعرضها _كنا نجمع أغراضنا وألعابنا أو نختبئ حال سماعنا صوت أساور أمي كانت ترعبنا نغماتها وتهزنا هزا _لكن هذه المرة كنا منشغلين لدرجه أننا لم نلحظ الصوت وبصرخة واحده منها كنا نجري وتجري وراءنا حتى حشرنا في زاوية وبدأت جبهة أخرى لكن الفرق أن الضر ب كان من جهة واحده فقط فمن منا يجرؤ على الرد أو الاعتراض يلقى نصيبا مضاعفا من الضرب ثم بعد أن يتلقى كل واحد منا نصيبه من الضرب نتجه بهدوء إلى أسرتنا لننام فالبكاء كان ممنوعا أيضا.
لم تكن الأحلام أفضل من الواقع . في اليوم التالي خرجنا إلى المدرسة مع أمي .كانت أمي تقود السيارة وتبدو عليها العصبية وكانت تنهال بالشتائم على كل من يضايقها على الطريق كانت تقود لأول مره بسرعة وتهور كنا قد اعتدنا أن تقود أمي بهدوء بالغ وان تسمح للجميع بالتجاوز عنها وكنا نغضب جدا من ذلك, بينما كنا نحب قيادة أبي السريعة والجريءه .
بعد ربع ساعة كنا على باب المدرسة لم تنزل أمي لتوصلني إلى الباب الداخلي كالمعتاد كانت تلك العوارض تشد انتباهنا وربما تدفعنا للقلق , وفي ثوان ودون أن تلوح لي بيدها مودعه انطلقت إلى عملها ومعها همسه لتوصلها إلى الحضانة قرب المصرف الذي كانت تعمل به دون أن اعلم لماذا. طلبت مني المدرّسه أن احضر أمي في اليوم التالي لكن أنا اعلم أني لم اعمل شيئا لكن كيف اقنع أمي كان الهاجس يمزق عقلي إلى أشلاء أحاول جمعها دون جدوى بدأت أفكر ماذا فعلت" لعله الواجب, ربما خطي لم يعجبها ,أو ربما رأتني وأنا اطعم شطيرتي لكلب الحارس , ماذا فعلت أيضا ........ " في آخر المطاف قررت أن الغي الفكرة وان لا اخبرها ابدأ .
انتظرت أمام باب المدرسة طويلا كانت الدقائق تمر ثقيلة وببطء شديد أو هذا ما كنت أظنه إذ لم تكن لدي ساعة اعلم بها الوقت ذهب الجميع وبقيت انتظر لم اعلم كيف أصل إلى بيتي جلست أصارع دموعي وخوفي لم ارغب في البكاء قدر تلك اللحظات , بعد كل هذا الانتظار مرت دوريه شرطه كانت أبواب المدرسة مغلقه وكنت اجلس لوحدي على الرصيف والحقيبة على ظهري كأني أتأهب لحضور أمي في أي لحظه . سألني الرجل : ماذا تفعلين هنا وقد انصرف الجميع إلى بيوتهم ؟ فأخبرته أني كنت انتظر أمي والطامة كانت عندما سأني أين تسكنين فلم أكن اعلم أين اسكن لم أكن اعرف من أبجديه المناطق والعناوين غير رقم هاتف واحد لازلت اذكره ولا أظن أني سوف أنساه انه رقم بيت جدتي .
وبعد أن اتصل الرجل ببيت جدتي اقلني إلى هناك كنت ناقمة على أمي فقد علمتني أن لا أرافق أي غريب لأي مكان ثم تضطرني إلى ما حضرته عني .
لحظه وصولي عرفت أن هناك شئ حاصل وعلمت أن إحدى سيارات الموت توقفت أمام المصرف الذي تعمل به أمي وكان ساعي الموت يبحث عن عنها وقبل أن يصل إليها وبمجرد وصول الخبر لامي أن ساعي الموت يبحث عنها انهارت وفقدت الوعي وهي في المستشفى الآن ذهبت خالاتي إلى المستشفى لرعاية أمي وأخوالي إلى المستشفى لكن ليس لرعاية والدتي وإنما لمعاينه الجثة التي هي من المفترض أن تكون لأبي جلست أنا وهمسه وجدتي أمام المدفأة بصمت حتى رن الهاتف كان المتصل خالي الأكبر وكان يبكي انهارت جدتي قبل أن تستوعب الخبر في تلك اللحظة دخلت جاره جدتي إلى المنزل وتناولت الهاتف كان صراخنا يعم المكان وبعد أن تكلمت الجارة مع خالي صرخت بجدتي : ليس هو الم تستوعبي ليس هو فنظرت إليها جدتي وقد بدأت تخرج من حالة الهستيريا التي كانت بها . أكّدت المرأة ليس زوج ابنتك ليس هو الم تسمعي ما قاله الفتى . ردت جدتي برد قوي : إذا لماذا يبكي ؟ لأنه كان يتوقع عكس ذلك فبكى من الفرح بعد أن تأكد انه ليس هو , قالت المرأة ثم عم الصمت .
ليس هو هذا ما علمته بقيت أمي مريضه فتره أيام وجدتي ترتعش لنهاية اليوم وأنا وأختي كنا نلعب بعد نصف ساعة ربما حسدنا الكبار على سرعه تغلبنا على مصائبنا و مخاوفنا.
اضطررت في اليوم التالي إلى الخروج إلى المدرسة بمفردي مع أبناء الجيران مشيا لم تكن أمهم تحسن القيادة لذلك لم تقبل عرض أمي بأن تأخذ السيارة وخرجنا باكرا كان حديث الأطفال عن المعارك متضارب والأخبار كأنهم يروون أفلام سينمائية خياليه كنت أترفع عن تلك القصص ربما كي استطيع النوم في الليل, وبعد أن قطعنا طريقا طويلا خلال البساتين المجاورة كنا عند المدرسة.كان الطريق جميلا ورغبت أن آتي كل يوم بمفردي منه, وبعد دخولنا باب المدرسة والانتظام بالطابور المدرسي دوت صفارة الإنذار وبدأنا بعمليه الإخلاء والتمويه هذه المرة تجريبية كانت دائما الصفارة مخيفه وان كانت تجريبية لا اعلم لماذا كل ذك فقد حفظنا التعليمات عن ظهر قلب أكثر من دروسنا . بعد التدريب الروتيني الأسبوعي على الطوارئ دخلنا إلى صفوفنا الباردة وبدأنا يومنا الدراسي المعتاد الذي كان يبدأ بالرياضيات وينتهي بدروس الفن والرياضة كالمعتاد سألتني المدرّسه عن أمي فأوضحت لها أنها مريضه وأنها لن تستطيع القدوم ولو لحين لم أحس بان الموضوع كان جديا لذلك تجرأت وقررت إخبار أمي .
في العودة كانت قصص الكلاب الجائعة خرافه بالنسبة لي والمخاطر التي تحف طريق المدرسة كذلك كنت اعلم أن ألدوله كانت تقتل الكلاب السائبه لكن ماذا عن الكلاب التي تحرس المزارع وكلاب الصيد التي تربى لدى أصحاب المزارع ؟
نعم كان هناك كلاب جائعة هذه المرة صدقت مخيلة الأطفال الهوليووديه ركض الجميع من حولي بينما تسمرت في مكاني والغريب أن الكلاب ركضت من حولي أيضا وراء الأطفال الهاربين كان في منتصف البستان ساقيه ماء وهي ما تسمى ساقية عندنا وترعه عند الإخوة المصريين وكان عليها جسر من جذوع النخل فأسقطه الأطفال على عجل كان هذا كفيلا بتأخير الكلاب حتى يصلوا إلى سور المزرعة ثم تعود الكلاب لتلمحني عندها فقط تسلقت جذع نخله منحني وجلست انتظر أن أتقطع بين أسنان كلاب صيد جائعة . ألقيت بشطيرتي إليهم بعيدا فلحقوها واضطررت أن اقفز في الساقية ذات الماء الراكد والضفادع واعبر إلى خلاصي حيث كانوا بانتظاري هناك عند شجرة التوت كانوا فرحين بالمغامرة دام الحديث عن المغامرة أشهر لكن فقط في صفوف من هم في مثل أعمارنا إذ إن الكبار كان عندهم ما يكفيهم من الأحاديث .
قصصت على امي ما حدث اليوم لكن اظن انها كانت غائبه الوعي لدرجة انها ظنته حلم فقط وضحكت اختي ولم يعر انتباهها الا عندما اخبرتها بان معلمتي تريدها فقالت لي انها ستحضر الى المدرسة في الغد .
في اليوم التالي عرضت امي ان توصل اصدقائي الجدد بالسيارة فوافق ذويهم على ان يتناوب الاهالي على ايصالنا الى المدرسه كان لقاء امي بالمدرّسة عادي وتحدثن قليلا ثم علمت ان معلمتي طلبت الى امي ان لا تعطيني فواكه مع الوجبه لان احد الاطفال تناول قشرة موزتي التي القيتها في القمامه وقام بلعقها فثقل المنظر عليها .كان لدينا فواكه لاننا نملك مزرعه ولم يكن تناول وتداول الفواكه واردا فكان الناس يعيشون في حرمان الحرب الذي ذقته فيما بعد عندما كف اقرباؤنا الذين يقطنون في الدول المجاوره عن ارسال الحلويات والشوكولاته الينا بعد ان وصل سوء الاوضاع حده واهملت المزرعه مع انشغال ابي واقرباءنا عن المزرعه فاصبحت هشيم تذروه الرياح .
الساعه التاسعه مساءا موعد النوم تأخر ساعه لأمر ما كان يشغل امي اخبار اليوم بدت ساخنه فقد تغير الحال وبدأت تميل الكفه الى صالحنا في المعركه الدائره خلف الاف الاميال تعويضا للخسائر عند العدو وبينما كنا نستعد للنوم دوت صفارات الانذار لكن هذه المره ليست طلعه استكشافيه للعدو ولا غاره وهميه وليس طبعا تدريبا لان الصفاره تبعت باطلاق نيران كثيفه من المضادات الارضيه اشتعلت السماء نارا واضاءت بينما عتمت البيوت وادلت الستائر وترددت الشهادتين على السننا بانتضار الغضب القادم من السماء .
كانت الارض تهتز اهتزازا متقطعا ولكي لا نمل كان بعد كل اهتزاز صوت مدوي كانت امي تقول ان هذا صاروخ او ربما قذيفه طائره المهم انها كانت تسقط كالحمم وفي الافق البعيد بعد ان تجرأنا على النظر خارجا بعد ان هدأ القصف اضواء تنزل من السماء انها قنابل مضيئة وكان هناك شئ نازل من السماء بعد قليل علمنا انه طيار معادي اصيبت طيارته فالقى بنفسه منها يبغي النجاة لكن أي نجاة .
تجمع اهالي الحي والاحياء المجاوره بانتظار الوليمه التي سقطت من السماء
لم يطلقوا عليه النار من بعيد وهو يسقط بل وصل الارض حيا فعجلوا صعوده الى السماء مره اخرى . كل انواع الاسلحه الخفيفه وادوات المطبخ كانت بانتضاره اكيد انه ندم انه لم يهوي بطائرته ويموت سرسعا لانه ذاق ما لم يذقه احد تناثر فجأه دمه في ارجاء المكان وسمع من الشتائم ما لا يطيقه قاموس في العلم ثم لم يبقى منه الى قطع لا تشبع كلب او هره صغيره .
لا اخفي عليكم اني كنت ناقمه ايضا في البدايه ثم بعد ذلك شعرت بأسى عليه فهو لايزال انسان ربما كان عبدا مأمورا او انه ملك الاجواء لكن هل كان بمخيلته عندما سحب عتله القذف انه سيلاقي ذلك المصير .
في الصباح كانت الاماكن المقصوفه خبر الساعه مطارات جسور دوائر حكوميه وبيوت لاناس مثلنا وحسب ما قيل عن العدو انها بيوت قصفت بالغلط كأن هناك من سيحاسبهم على ارواح ازهقت وبيوت تهدمت لعلها الصوره السياسيه امام العالم . خطرت ببالي نكته سمعتها لم اعرها انتباها حتى اليوم " انه كان هناك دوله جديده تريد ان يعترف بها لدى الامم المتحده وان تمثل هناك وكانوا من اكله لحوم البشر فلاقوا اعتراضا وعنها تحدث مندوبهم ان لم يعد هناك من اكله لحوم البشر غير قريه صغيره واكلناهم وخلاصناكم منهم " اكلوهم ولن يلاموا المهم ان اشاعه اكل لحوم البشر قد زالت وليس المهم كيف .