إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما **أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمَى
من الهاتكاتِ القلبَ أوَّلَ وهلة **ٍ ومَا دَخَلَتْ لحماً، ولا لامستْ عظما
تَوَارَدَ والنَّاعِي، فأَوْجَسْتُ رَنَّة **ً كلاماً على سمعي ، وفي كبدي كلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوَى** فيا وَيْحَ جَنْبِي! كم يَسيلُ؟ وكم يَدمَى ؟
طَوَى الشرقَ نحوَ الغربِ، والماءَ للثَّرَى** إليَّ ، ولم يركبْ بساطاً ولا يمَّا
أبانَ ولم ينبسْ ، وأدَّى ولم يفهْ** وأدمى وما داوى ، وأوهى وما رمَّا
إذا طويتْ بالشهبِ والدُّهمِ شقة ٌ** طَوَى الشُّهْبَ، أَو جاب الغُدافِيَّة َ الدُّهْما
ولم أَرَ كالأَحداثِ سهماً إذا جرَتْ** ولا كالليالي رامياً يُبعِدُ المَرْمَى
ولم أَرَ حُكماً كالمقاديرِ نافذاً **ولا كلقاءِ الموتِ من بينهما حتما
إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى** سَبيلٌ يَدينُ العالَمون بها قِدْما
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ **ولا الموتُ إلا الرُّوحُ فارقَتِ الجِسما
ولا خلْدَ حتى تملأَ الدهرَ حِكْمة ً **على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما
زجرتُ تصاؤيفَ الزمانِ ، فما يقعْ **ليَ اليومَ منها كان بالأمس لي وهما
وقدَّرتُ للنعمانِ يوماً وضدَّهُ **فما اغترَّتِ البوسى ، ولا غرَّتِ النَّعمى
شربتُ الأَسى مصروفة ً لو تعرضتْ** بأَنفاسِها بالفمِّ لم يستفِقْ غَمَّا
فأَتْرِعْ وناوِلْ يا زمانُ؛ فإنما** نديمكَ سقراطُ الذي ابتدعَ السمَّا
قَتلتُكَ، حتى ما أُبالِي: أَدَرْتَ لي** شهيدة ِ حربٍ لم تُقارِفْ لها إثما
مُدَلَّهة ٍ أَزكى مِنَ النارِ زَفْرَة ً **وأنزهِ منْ دمعِ الحيا عبرة سحما
سقاها بَشيرِي وهْيَ تَبكِي صَبابة ً **فلم يَقْوَ مَغناها على صَوْبِهِ رَسْما
أَسَتْ جُرحَها الأَنباءُ غيرَ رَفيقة** ٍ وكم نازعٍ سهماً فكان هو السَّهما!
تغارُ على الحمَّى الفضائلُ والعلا **لما قبَّلتْ منها ، وما ضمَّتْ الحمَّى !
أكانت تمنَّاها وتهوى لقاءها **إذا هي سَمَّاها بذي الأَرض مَنْ سَمّى ؟
أَلَمَّتْ عليها، واتَّقتْ ثمراتِها** فلمَّا وقوا الأسواءَ لم ترها ذمَّا
فيا حسرتا أَلاَّ تراهم أَهِلَّة ً **إذا أَقْصَرَ البدرُ التمامُ مَضوْا قُدْما!
رياحينُ في أنف الوليِّ ، وما لها **عدوٌّ تراهم في معاطسهِ رغما
وألاَّ يطوفوا خشَّاً حولَ نعشها** ولا يُشبِعوا الركنَ استلاماً ولا لَثْما
حلَفْتُ بما أَسلَفْتِ في المهد مِنْ يَدٍ **واوليتِ جثماني من المنَّة ِ العظمى
وقبرٍ مَنُوطٍ بالجلال مُقَلَّدٍ** تليدَ الخلالِ الكثرَ ، والطارفَ الجمَّا
وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلهُ** ولا رُمْتُ هذا الثكلَ للناس واليتما
ولم يكُ الطيرِ بالرقّ لي رضاً** فكيف رضائي أَن يَرَى البَشَرُ الظُّلما؟
ولم آلُ شُبّانَ البريّة ِ رِقَّة ً **كأن ثمارَ القلب منْ ولدي ثمَّا
وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ **أرى الناس صنفينِ : الذئابَ أو البهما
وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولة **ً ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحكما
نزلْتُ رُبَى الدنيا، وجَنّاتِ عَدْنِها** فما وَجَدَتْ نفسي لأَنهارها طعما
أُرِيحُ أَرِيجَ المِسْكِ في عَرَصاتِها **وإن لم أُرِحْ مَرْوانَ فيها ولا لَخْما
إذا ضحكتْ زهواً إليَّ سماوها **بكيتُ النَّدى في الأرض والبأسِ والحزما
أطيفُ برسمٍ ، أو ألمُّ بدمنة ٍ** أَخال القصور الزُّهر والغُرَفَ الشُّما
فما برحَتْ من خاطري مصرُ ساعة ً **ولا أَنتِ في ذي الدارِ زايَلْتِ لي هَمّا
إذا جَنَّنِي الليلُ کهْتَزَزْتُ إليكما** فجنحا إلى سعدى ، وجنحا إلى سلمى
فلما بدا للناس صُبْحٌ من المُنَى** وأَبصرَ فيه ذو البصيرة ِ والأَعمى
وقرَّتْ سيوفُ الهندِ، وارتكز القَنا** وأَقْلَعَتِ البَلْوَى ، وأَقْشَعَتِ الغُمَّى
وحَنَّتْ نواقيسٌ، ورَنّتْ مآذنٌ** ورَقَّتْ وجوهُ الأَرضِ تَستقبلُ السلمى
أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ، ولم يزلْ **ولوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا!
إذا جال في الأعيادِ حلَّ نظامها **أَو العُرسِ أَبْلى في معالمه هَدْما
لئن فاتَ ما أمَّلته من مواكبٍ** فَدُونَكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضَّخما!
رثيْتُ به ذَات التُّقى ونظمتُه** لعنصره الأَزكى وجوهرِهِ الأَسمى
نمتكِ مَناجيبُ العُلا ونمَيْتِها **فلم تلحقي بنتاً ولم تسبقي أُمّا
وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلتْ** تواضعتِ، لكنْ بعد ما فُتِّها نجما
أتيتُ به لم ينظم الشِّعر مثله** وجِئْتِ لأَخلاق الكرامِ به نَظما
ولو نهضَتْ عنه السماءُ، ومَخَّضَتْ **به الأرضُ كان المزنَ والتبرَ والكرما!