الأسلوب التربوي السادس : التحذير منالخطأ يقول تعالى)وكم أرسلنا من نبي في الأولين (الآية 6
هذه كم الخبرية التي توضح تتابع المصلحين يحذرون وينبهون ويدْعونالبشرية للصواب وإلى النهج الحق . فلما استهزأ الكافر المدعوّ وأبى الإجابة وقع فيالمحذور وندم حيث لا ينفع الندم . قال سبحانه)فأهلكنا أشدّمنهم بطشا) ًمن الآية 8
ولعلّ القويّ المغرور بقوته وماله يظن الحالالمؤقتة - التي هو فيها من عز وغنى- دائمة فيبطر ويتكبر على الحق ويشتط في الضلال ،فيـُنبـَّه إلى أن من سبقه كان أعتى منه وأشد ، فانتهى إلى خزي وعار ، فلا يقعَنّفيما وقع فيه سابقوه ، والعاقل من اتعظ بغيره ، والغبي من اتعظ بنفسه ، فسقط فيالهاوية على أمّه فلا نجاة .
الأسلوب التربوي السابع : الحوار الهادف . ويكون الحوار هادفاً حين يبدأ من المسلّمات، ويتدرّج إلى غيرها ، فالكفار يعرفون أنالله تعالى خالق السموات والأرض وهو الذي ملأهما بالخير الذي يعيشه الناس وأن اللهتعالى خلق في الأرض من كل شيء زوجين للتكاثر وخلق ما يستعمله الناس وما سخّره اللهلهم وهم يقرون بذلك ، فينتقل الحوار إلى وجوب شكر المنعم وحده وعدم ظلم الله فيوحدانيته وفي عبادتهم إياه ونرى هذا جليّاً في الآية التاسعة إلى الآية الرابعةعشرة ، وفي آيات بعدها متفرقة إلى آخر السورة لا تخفى على النبيه .
الأسلوب التربوي الثامن : التفكير المنطقي الذي يؤكد القرآن فيه وهويحاورهم على التفكير المنطقي الذي يقود صاحبه العاقل إلى الحق فيلتزمه ، مثال ذلكأن من بيده الأمر لا يرضى لنفسه الدونية ولا يترك لعباده الاستئثار بما يريدونفالكافر يجعل الملائكة إناثاً ويفتئتها بنات الله ، ويطلب في الوقت نفسه الذكورويكره الإناث ، فإذا كان الإنسان يكره الإناث ويطلب الذكور – وهو العبد الضعيف – فلماذا يرضى الله لنفسه الإناث التي يمقتها العبد الضعيف؟ ولماذا يعبد الإنسانالملائكة وهم في ظنه إناث وهو يكره الإناث ؟ بل إن الله تعالى يؤكد أن الملائكةعباد الله ليسوا من جنس البشر ولا يتوالدون كتوالدهم ، وهم خلق آخر لا علاقة لهمبكل أوهام البشر وتهيؤاتهم . وهذا ما نجد بعضه في الآيات الخامسة عشرة إلى الآيةالعشرين ، وقد يشوب الحوار تهديد كما في قوله تعالى في عبادة الملائكة وتأنيثهم(ستُكتب شهادتهم ويُسألون ) من الآية 19(ما لهم بذلك من علم إنْ هم إلا يَخرُصون)من الاية 20
وفي نقاش الكافرين فيما يعبدون لأنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون دون التدبروالتفكر فيما يعبدون حتى نهاية الآية الخامسة والعشرين .. إن التفكير المنطقي يقودإلى فهم الحقيقة ومن ثَمّ يقود إلى الإيمان الصحيح بالحقيقة الثابتة ....
الأسلوب التربوي التاسع : العدل قوام الحياة ، فلا ينبغي أن يكون للمحبةأثر في العطاء – وإن كان هذا دأب الناس لأنهم عاطفيون – فللناس حقوق لا يصح أننمنعها عنهم لكرهنا لهم ، أو أن نزيد في عطائهم على حساب غيرهم لحبنا إياهم ، فهذاضد العدل الذي أمرنا المولى سبحانه أن نسير على هديه ، فقد قال تعالى في الآيةالثامنة من سورة المائدة آمراً بالعدل(يا أيها الذين آمنواكونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هوأقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)فالعدل أساس الحياة ،وبه تقوم الممالك وتستقيم أمورالدنيا ، وبالعدل نمتلك قلوب العباد ونواصيهم ،والأكبر من ذلك أننا نرضي المليك سبحانه . ومن أساسيات العدل أن الكافر إنسان فيهنوازع من الخير ينبغي أن يُثاب عليها في الدنيا ، فما له في الآخرة من نصيب ، وعلىهذا نجد غير المسلمين – في الغالب - أكثر أمولاً ، يعيشون في بحبوحة ويسر جزاء هذاالخير الذي يعملونه ، ويخبرنا المولى سبحانه أنه لولا أن يُفتن الناس فيما بين أيديالكفار – في الدنيا – من وسائل العيش المتقدمة والرخاء الذي يرفلون فيه لأعطاهمأكثر وجعل يبوتهم قمة في الترف والهناء الزائل بعد حين(وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْيَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَايَظْهَرُونَ (33)وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚوَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)-)يقول القرطبي رحمه اللهتعالى : ذَكَرَ الله تعالى حَقَارَة الدُّنْيَا وَقِلَّة خَطَرهَا , وَأَنَّهَاعِنْده مِنْ الْهَوَان بِحَيْثُ كَانَ يَجْعَل بُيُوت الْكَفَرَة وَدَرَجهَاذَهَبًا وَفِضَّة لَوْلا غَلَبَة حُبّ الدُّنْيَا عَلَى الْقُلُوب ; فَيُحْمَلذَلِكَ عَلَى الْكُفْر .وقَالَ الْحَسَن : الْمَعْنَى لَوْلا أَنْ يَكْفُر النَّاسجَمِيعًا بِسَبَبِ مَيْلهمْ إِلَى الدُّنْيَا وَتَرْكهمْ الآخِرَة لأعْطَيْنَاهُمْفِي الدُّنْيَا مَا وَصَفْنَاهُ ; لِهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
الأسلوب التربوي العاشر : درء المفاتن والمفاسد في المقابل نجد رحمةالمولى تعالى في تثبيت قلوب المؤمنين الذين يرون الكفار يمتلكون وسائل الرفاهية فيالدنيا – وهم كفار – فلا يمد للكافرين ما كان يودّ زيادتهم فيه خشية أن يفتنالمسلمَ ما يراه عندهم ، فيظن أنهم على حق ، فيتفنن شيطانه في غوايته ويزيّن لهالكفر والعصيان ، والدنيا - كما نعلم - مرحلة الاختبار والفتنة ، وموطن الامتحانفلا بد أن يمتحن الإنسان بما يناسب قدرته في التحمل . إذ يضعف حين يُحَمّل ما لاطاقة له به . فيُعطى الكافر نصيبه في الدنيا – كما ذكرنا آنفاً – بما يناسب صبرالمسلم على لأواء الحياة وشدّتها . ولن ينجح أحد في امتحان أكبر من إمكاناته .
أرجو التثبيت بعد اكتمال ال15