منتديات داونلودز2


العودة   منتديات داونلودز2 > >

القسم الادبى قسم الادب والشعر والنثر والقصص الادبية الرائعة



حــفـــار القبـــــور

حــفـــار القبـــــور " ليتنى ما ذهبت إليه " . هكذا ردد بيومى وهو سائر بين المصرف وشريط السكة الحديد, الطريق

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-07-2007, 08:23 PM   #1 (permalink)
• ĞêŋęŘąl MąŋāģęŘ •
 
الصورة الرمزية Admin
 




 
Admin تم تعطيل التقييم

افتراضي



حــفـــار القبـــــور







" ليتنى ما ذهبت إليه " . هكذا ردد بيومى وهو سائر بين المصرف وشريط السكة الحديد, الطريق ضيق والسيارات – الذاهبة والآيبة – إلى رشد ليس لها طريق سواه . أطلقت السيارة المسرعة نفيرها عاليا , فتفاداها بيومى فى آخر لحظة . أشاح بذراعه عندما بصق السائق عليه من بعيد .



يعمل بيومى " تربيا" فى منطقة الطابية . قطعة أرض قريبة من مصنع الورق يدفنون فيها موتاهم , حولها أراض واسعة تتخذها الشركة مخازن للدشت الكثير الذى يأتيها من كل مكان طوال اليوم .



لوح أحد رجال البلدة إليه من بعيد , فلوح له بيومى بذراعه فى ضيق. صاح الرجل :



- زرت محمود ؟



تمتم بيومى فى أسى : " ليتنى ما زرته "



والد بيومى كان تربيا مثله . اختاره الباشا - صاحب مصنع الورق .معظم أراضى المنطقة- أختاره من دون باقى العاملين فى مصنعه وأمره بأن يكون " تربيا " يدفن الموتى . قال أبو بيومى معترضا :



- لكننى لا أعرف هذه المهنة .



سار الباشا منهيا اللقاء, وأعطاه ظهره وهو يقول :



- أجرتك فى المصنع كما هى , وستكسب كثيرا من هذه المهنة .



وصدق قول الباشا . أغتنى والد بيومى . الموتى كثيرون , أكثر مما كان يتوقع . كانوا يدفنونهم فى مقابر بعيدة تطل على خليج أبو قير , ينقلون الموتى بسيارات مصنع الورق. الكل يدفع لوالد بيومى . فى أول عهده بالعمل كان يخاف ويرتعش ؛ وتطارده جثث الموتى طوال الليل , لكنه اعتادها بعد ذلك , وأشترى المواشى والدواجن لتربيها زوجته فى بيته القديم , هذا غير بيت اقتطعه من أرض المقابر وعاش فيه , وعندما علم الباشا قال : " حقه " .



ورث بيومى عن والده هذه المهنة , وورث البيتين والمواشى والدواجن .



كل شئ كان يسير كما يهوى لولا محمود الذى جاء إلى الطابية ليكدر حياته .



كان محمود يعيش مع زوجته الصعيدية – مثله – فى منطقة غربال البعيدة عن الطابية , هى قريبته وقريبة الشبه به : سوداء ويابسة ودميمة , وفمها يابس مثل فمه , كأنهما أخ وأخت ؛ لا زوج وزوجة . لكن الرجل عاف زوجته وتزوج عليها امرأة بيضاء مربربة من حى بحرى – حيث كان يعمل – فثارت زوجته وباقى الأسرة , وعندما أرادوا أن يجبروه على طلاقها ؛ حملها وجاء بها إلى منطقة الطابية وعمل خفيرا فى مصنع الورق , وترك الإسكندرية كلها . كان سعيدا بزوجته البيضاء المربربة , وفى ليالى البرد , يلتفون حول " راكية النار" فيحكى لهم عن زوجته التى تشبهه . يقول للحاضرين :



- تعرفون السيخ الرفيع الأسود الذى يخرجون به الخبز من الفرن ؟



يضحكون قبل أن يكمل , فهم يعرفون إنه يقصد زوجته , فهى رفيعة وسوداء مثل " السيخ" الذى يحكى عنه , لكن المرأة البيضاء أتت بإبراهيم , ولد متخلف , عقله عقل طفل صغير .الذى يحكى عنه بيومى – الآن – حدث منذ عهد بعيد , فالولد كبر الآن , وشعيرات متناثرة ظهرت حول ذقنه.



ومرض محمود . والرجل ودود , يزوره - مع زوجته وابنه- فى بيته , وزوجته تصادق زوجته , وأولاد بيومى يمازحون إبراهيم – ابنه – ويحبهم ويرتاح معهم .



ألحت الزوجة – سامحها الله - : أذهب لزيارة محمود , فالمرض اشتد عليه .



ألحت فى ذلك كثيرا حتى ذهب . ما أن فتحت زوجة محمود الباب , ودعته للدخول حتى صاح إبراهيم : أخرج يا " تربى " , أخرج يا " تربى " .



أبتسم بيومى , فليس من العقل أن تعمل عقلك بعقل ولد متخلف كهذا , وسار ناحية محمود الذى ينام فى مواجهة الباب. صاح الرجل فى ضعف شديد :



- تفضل يا بيومى .



وصاحت المرأة فى ابنها فى صوت خافت وفى عتاب رقيق :



- عيب يا إبراهيم . الرجل ضيفنا .



صاح الولد :



- لا , إنه جاء ليأخذ أبى ويدفنه فى مقابره التى يسكنها .



اقترب بيومى من الولد , ربت على خده قائلا:



- لا يا حبيبى , جئت لزيارة أبيك لأنه مريض .



أشاح بيد بيومى :



- أبعد يدك التى تلامس الموتى .



ضحك بيومى بصوت مرتفع لكى يخفى غيظه منه , لم يضحك محمود ولا زوجته . أراد بيومى أن ينهى هذا اللقاء السخيف ويعود إلى بيته , ويادار ما دخلك شر . جلس على الكنبة فى مواجهة محمود , أخرج علبة سجائره وقال :



- ألف لك سيجارة ؟



سعل محمود وقال :



- حذرنى الأطباء من التدخين .



- يا رجل , لا تسمع لكلام الأطباء, فهم يهولون كل شئ .



- لا. أنا هذه المرة تعبان جدا .



سمع إبراهيم من زوار والده ومن والدته , إن أباه يقترب من الموت , حينذاك رأى بيومى أمامه بسرواله القصير والصديرية التى تكشف عن ذراعيه وطاقيته البنية وهو ينحنى بفأسه ليحفر المدفن للميت . طوال الوقت وإبراهيم يدعو الله إلا يضطر والده لمقابلة بيومى هذا , وهاهو الرجل يجيء دون أن يستدعيه أحد .



سارت الزوجة لتعد الشاى للضيف, وأحس محمود بفتور فى جسده كله , فتأوه واغمض عينيه . وإذ بإبراهيم يصيح فى بيومى :



- أبى يموت . أنت جئت لتقتله .



هب بيومى فزعا , واستيقظ محمود , وعادت المرأة من المطبخ وفى يدها علبة الثقاب , وإبراهيم يبكى :



- أنت الذى جعلته يموت .



قال بيومى مبتسما :



- أبوك عال العال . هاهو أمامك يتحرك , لم يمت .



وقال محمود بصوت خافت :



- عمك بيومى صديقنا ويحبنا .



صاح الولد متحديا :



- لابد أن يخرج " التربى " من بيتنا .



سار بيومى خطوات , لكن الأم دفعت ابنها بعيدا , وشدت بيومى إليها :



- لا تعمل عقلك بعقل ولد مثل هذا .



سار بيومى متجها إلى الباب وصاح :



- يا بخت من زار وخف.



لم يسمع بيومى ما قاله محمود . والمرأة لم تجد ما تقوله . لكنه سمع صوت إبراهيم واضحا :



- أخرج . من أجل أجرتك تقتل الموتى .



أراد أن يرد عليه . لكنه لم يجد المقدرة . فهو فكر – حقا – فى أجرة دفن محمود منذ أن بلغه خبر اشتداد المرض عليه . وكثيرا ما فكر فى هذا كلما سمع عن " فلان " الذى ينام فى بيته مريضا , بل ويعد له مكانا لدفنه .



سار بيومى إلى الطريق حزينا مهموما . لم يذهب إلى البيت حيث زوجته وأولاده . سيذهب إلى بيته الملاصق للمقابر , يجلس وحده مع " الجوزة " يدخن كعادته كلما غضب من زوجته , أو أحس بالحزن .



لو ذهب إلى زوجته – الآن – وحكى لها عما حدث ؛ ستضحك وتقول : " حد يا خد على إبراهيم" توقف عن المسير . سارت السيارات حوله وقوادها يسبونه ويثورون عليه .



يقضى معظم أوقاته فى البيت المجاور للمدافن وتأتيه زوجته كل يوم محملة بالخبز اليابس وعلف الماشية , تطعم المواشى وتنظف حظيرتهم , وتجمع البيض فى صفيحة معدة لذلك , ثم تضع الطعام لهم .



تجرى الدواجن بين القبور , تمرح وتحفر بجوارها وتبيض أحيانا , لكن المواشى غير مسموح لها بالاقتراب من المقابر ؛ خشية أن تهدمها بحوافرها القوية , وكثيرا ما نام بيومى وحده فى ذلك البيت الذى تصر زوجته على تركه قبل المغرب بقليل , ويبقى فيه وحده , يشعل النار , ويضع قوالح الذرة الملتهبة فوق الجوزة . و " يكركر" وحده .



قبل أن يصل إلى المقابر بخطوات قليلة , دهمته سيارة مسرعة , ألقت به أرضا وسارت فوقه كأنها تقصد قتله , لم ينطق بكلمة واحدة . قبل أن تخرج روحه من جسده ؛ رأى الولد إبراهيم يضحك منه ساخرا .









قصة : مصطفى نصر





التوقيع


I'aM Not Special
, I'aM Just LiMiTeD EdiTion




صفحتنا على الفيس بوك :-
http://www.facebook.com/Downloadiz2Com


Admin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد  إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد مواضيع قسم القسم الادبى


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة



الساعة الآن 09:16 AM


RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
 

 

   Downloadiz2.Com - Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd