الابيض والاسود

[Admin]

بالأبيض والأسود



من أعظم انجازات البشرية في المائة السنة الماضية هو اختراع السينما والتلفزيون،

ولكنني أنظر لهذا الاختراع نظرة مختلفة بعض الشيء،

فإنني دائما ما أتأمل الأفلام القديمة الأبيض والأسود سواء روائية أو تسجيلية

فأرى معظم من يظهرون فيها قد واراهم الثرى وماتوا ولم يعد لهم وجود في حياتنا

رغم أنهم قد ملأوا الدنيا بأعمالهم وحينما أشاهد هذه الأفلام أتأمل هؤلاء الأشخاص وكيف يضحكون ويلهون ويلعبون،

وربما بعضهم يؤدون مشاهد غير لائقة داخل أفلام روائية وهم ممتلئون حيوية ونشاطا

وأملا في الحياة ثم أتأمل تاريخهم ونهايتهم فهذا توفي بعد صراع طويل مع المرض وذاك توفى في حادث.



وهنا أتساءل بيني وبين نفسي: ألم يكن يعلم هؤلاء أنهم سيموتون ويغادرون هذه الحياة؟

بالطبع كانوا يعلمون ومع ذلك ارتكبوا ما ارتكبوه من معاص مسجلة صوتاً وصورة

وهم في غفلة من العقل والمنطق وغرتهم الدنيا، وحينما ترى احدهم في برنامج مسجل وهو يتحدث عن طموحاته وآماله

وحينما تتأمل نهايته بعد هذا البرنامج بشهور قليلة تدرك مدى تفاهة هذه الدنيا،

ولابد أن تعلم ما الذي دفعه إلى ذلك، انه ببساطة هذا الداء العضال؟

الذي حار الحكماء في دوائه! وأطال العلماء في وصفات شفائه! انه داء «طول الأمل».



يظن الإنسان انه سوف يعمر ألف سنة فيبدأ بوضع الخطط الطموح والأمنيات الواسعة

ناسيا أو متناسيا طاعة الله عز وجل الذي خلقه وأوجده من العدم فيسير في حياته

يصول ويجول غير عابئ بهذه السنين التي تخط بأناملها خطوطاً غائرة في جسده

وكلما تقدم بهذا الإنسان العمر ازداد تعلقا بالدنيا وكأنه سيخلد فيها.



في بعض الأحيان تكون هناك حقائق واضحة وثوابت في حياتنا لا تقبل الجدل ولا النقاش

مثل الموت فلا احد ينكر هذه الحقيقة ولكنها من شدة وضوحها قد نتجاهلها

ونظن أن أمامنا وقتا طويلا في هذه الحياة لنصلح ونتدارك أخطاءنا

رغم علمنا الأكيد أن طول العمر غير مضمون ولكننا في غفلة من العقل والمنطق والانجراف في بحر الشهوات

نجد أنفسنا قد مر بنا قطار العمر وقد ارتكبنا فظائع ومعاصي، والكارثة أننا قد لا ندرك ذلك،

ولكن قد يأتي احدهم قائلا إنني لم ارتكب كبائر في حياتي فلم ازن أو اقتل أو اسرق مثلا،

وقد كان هؤلاء الذين يظهرون في أفلام الأبيض والأسود يقولون ذلك أيضا

ونسوا أن تراكم الذنوب الصغيرة يجعلها كبيرة بمرور الزمن والغفلة

وكما يقولون إن الجبل الكبير مكون من حصى صغير.



إنني هنا لا أدعو أبدا إلى التشاؤم ولكنني أدعو فقط كلاً منا إلى أن يحاسب نفسه

من حين لآخر حتى يدرك أخطاءه ويحاول تداركها بسرعة فعجلة الحياة سريعة

وقد تسرق منا أعمارنا دون أن نشعر ونحن أسرى للتسويف والتأجيل.

إن الحياة التي نعيشها رائعة وهي جديرة بأن نحياها بطريقة صحيحة

ويجب أن نستفيد من حياتنا فإن حياة الإنسان قصيرة تمر كلمح البصر

وإذا لم تصدقني فما عليك سوى مشاهدة فيلم بالأبيض والأسود

وستدرك ذلك سريعا.







مع حبي