الحمد لله
أولا :
الجنة ليس لها باب واحد ، وإنما لها أبواب كثيرة ، كما قال الله تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر:73] وقد ورد في السنة ما يدل على عدد تلك الأبواب ، فمن ذلك قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ » رواه البخاري 3257 ومسلم 1152 ؛ فدل هذا الحديث على أن عدد هذه الأبواب ثمانية .
ثانيا :
المكتوب على باب الجنة ، قد وردت فيه بعض الروايات ، وأقوى ما وقفنا عليه منها ما رواه الطبراني والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « دخل رجل الجنة فرأى مكتوبا على بابها الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر » حسنه الألباني . انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/537
وهذا الحديث ، وإن مال بعض العلماء إلى قبول نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ضعفه آخرون منهم ابن الجوزي والعراقي والمناوي وغيرهم ، لأن الرواة الذين نقلوه عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيهم راو شديد الضعف .
وقد وردت رواية أخرى تقول : « مكتوب على باب الجنة : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أخو رسول الله ؛ قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام »
لكنها رواية مكذوبة ، لا تصح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم [ انظر السلسلة الضعيفة مجلد10 رقم 4901 ] .
وينبغي أن نعلم أن الكلام في هذه المسألة أو غيرها مما يتعلق بالجنة ، أو النار ، أو غير ذلك من أمور الغيب ، لا يصح إلا بوحي ثابت من عند الله ، على لسان رسوله الصادق .
غير أننا نعود لنسأل أنفسنا : ما الفائدة العملية المترتبة على معرفتنا بذلك ؟ وما الخير الذي يفوتنا حين لا نعلمه ؟
إن السؤال الذي ينبغي أن يفرض نفسه حقيقة ، هو : كيف نصل إلى تلك الأبواب ؟ وكيف تفتح لنا ؟ وكيف ندخلها ؟
فهذا حقا هو السؤال المصيري الذي ينبغي أن تتوجه عناية الإنسان إليه .
إن هذه الجنة ليس لها في الواقع إلا طريق واحد ، طريق مستقيم لا اعوجاج فيه ، قال الله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام:153] وأول ذلك الصراط المستقيم الإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، الإيمان بمحمد ، صلى الله عليه وسلم ، نبيا من الله ورسولا ، وهو الأمر الذي أخذ الله العهد والميثاق على النبيين من قبل أن يفعلوه .
قال الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران:81] ودعا كل من أوتي كتابا من قبله أن يؤمن بهذا النبي الخاتم ، وكتابه المبين .
قال الله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة:15-16]
وأخبر أن حجته سبحانه قائمة على أهل الكتاب وغيرهم بهذا النبي الخاتم . قال تعالى :
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة:19] وبعد مبعثه لم يبق لأحد في دخول الجنة من حق إلا من اتبعه وأطاعه :
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه ، رضي الله عنه ، ِ َقال : « جَاءَتْ مَلائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلا فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إن الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا فَالدَّارُ الْجَنَّةُ وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ » . صحيح البخاري 2861
وفي رواية الدارمي :َ عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيَّ َقالُ : « أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ لِتَنَمْ عَيْنُكَ وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلْيَعْقِلْ قَلْبُكَ قَالَ فَنَامَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ وَعَقَلَ قَلْبِي قَالَ فَقِيلَ لِي سَيِّدٌ بَنَى دَارًا فَصَنَعَ مَأْدُبَةً وَأَرْسَلَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَطْعَمْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَسَخِطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ قَالَ فَاللَّهُ السَّيِّدُ وَمُحَمَّدٌ الدَّاعِي وَالدَّارُ الإِسْلامُ وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّة » . سنن الدارمي 11
وإذا أردت الوقوف على بعض ما جاء في التوراة والإنجيل من البشارات ببعثة النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، والحث على اتباعه يمكنك مراجعة كتاب [ إظهار الحق ] للشيخ رحمة الله الهندي .
والله يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين . |