|
العقيدة الإسلامية |
|
5.
التوسل أنواعه وأحكامه:
التوسل: هو
التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته، واتباع أنبيائه
ورسله وبكل ما يحبه الله ويرضاه.
قال عز وجل: {يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة
} [المائدة: 35].
قال ابن عباس:
الوسيلة :
القربة .
فالذي يجعل الوسيلة والواسطة بينه وبين الله وسيلةً
مشروعةً فعمله مشروع وجائز، ومن جعل الوسيلة بينه وبين
الله وسيلةً محرمةً أو غير مشروعة فعمله محرم.
أنواع التوسل:
أ- التوسل
المشروع ب- التوسل الممنوع (المحرم
) .
أ- التوسل
المشروع:
وهو الذي دل عليه
الكتاب والسنة وهو أربعة أنواع:
1.
التوسل إلى
الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
كأن تقول يا
رحمان ارحمني ويا رزاق ارزقني. قال عز وجل: {ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها
} [الأعراف:
180].
2.
التوسل
إلى الله بالأعمال الصالحة.
وأفضل شيء يتقرب
به العبد إلى الله تعالى إيمانه وعمله الصالح حتى يستجيب
الله توسله ودعاءه.
ودليله ما جاء في
الصحيحين من قصة أصحاب الغار، الذين دعوا الله بصالح
أعمالهم فأنجاهم الله.
عن عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: (انْطَلَقَ
ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا
الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ
صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ،
فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ
الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ
أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ
لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا
أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَأَى بِي
فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا
حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا
فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ
قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ
عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ
الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ
الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ
الْخُرُوجَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي
بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ،
فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى
أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي
فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ
تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، حَتَّى
إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ
تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنْ
الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ
أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي
أَعْطَيْتُهَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ
ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ.
فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا
يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ الثَّالِثُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ
فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ
الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى
كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ
فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي.
فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ
الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي
لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ
فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا. اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ
فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا
نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا
يَمْشُونَ
) رواه البخاري.
3.
التوسل
إلى الله بدعاء من ترجى إجابته من الصالحين. فيجوز
للإنسان أن يطلب من الصالحين الأحياء الحاضرين أن يدعوا
الله له أن يغفر له، أو أن يشفي مريضاً، ولكن الأولى ترك
ذلك. والدليل على جواز هذا الأمر :
أن عمر بن
الخطاب كان إذا قحطوا وانقطع المطر استسقى بالعباس بن عبد
المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اللَّهُمَّ
إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقِينَا وَإِنَّا
نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا.
قَالَ فَيُسْقَوْن
) قال: فيسقون.
رواه البخاري.
ومراده بقوله (نَتَوَسَّلُ
إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا
) أي: بدعائه.
4.
التوسل
إلى الله بحال الداعي.
كأن يقول
الإنسان: اللهم إني فقير ومذنب فاغفر لي واقض ديني، فيظهر
فاقته وحاجته لله سبحانه حتى يستجيب الله له، كما قال الله
عز وجل عن موسى عليه السلام: {رب
إني لما أنزلت إلي من خيرٍ فقير
} [القصص: 24].
ب- التوسل
الممنوع (المحرم
):
وهو كل توسل لم
يدل عليه دليل شرعي، أو كان مخالفاً لنصوص الكتاب والسنة،
وهو أربعة أنواع :
1.
التوسل إلى
المخلوق الميت الغائب والطلب منه أن يدعو الله أن يقضي
حاجته، كما يفعله عباد القبور عندما يسألون صاحب القبر أن
يفرج الله عنهم، فإن هذا هو نفس فعل المشركين، كما قال عز
وجل عنهم: {والذين
اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله
زلفى }
[الزمر: 3].
ومثاله كأن يقول
الداعي لصاحب القبر: يا ولي الله ادع الله لي أن يشفي
مريضي. وهذا شرك أكبر مخرج من الإسلام.
2.
التوسل إلى الله
ودعاؤه وحده، لكن يجعل الداعي بينه وبين الله شخصاً في
دعائه مثاله: كأن يقول: "اللهم
إني أتوسل إليك بنبيك، أو بالمرسلين، أو بعبادك الصالحين
". لكن لا يتوجه
إلى إيِّ منهم بدعاء، وإنما يدعو الله وحده مخلصاً له
الدين. وهذا النوع بدعة ومحرم على الصحيح، لأنه لم يرد فيه
نص ولم يفعله أحد من الصحابة، ولكنه ليس شركاً أكبر، لأن
الداعي دعا الله سبحانه ولم يدع أحداً غيره.
3.
التوسل
إلى الله بجاه فلان وحرمته وبركته.
ولاشك أن هذا
بدعة، لأنه لم يرد فيه نص شرعي، كأن يقول الإنسان: "اللهم
إني أتوسل إليك بجاه فلان أو حرمته أو بركته
".
حتى ولو كان الذي
يتوسل بجاهه هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الحديث
الذي يرويه بعض الناس:
(توسلوا
إلى الله بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم
).
فإن هذا حديث كذب
وموضوع لم يقله، فلا يكون حجةً ولا دليلاً.
4.
الإقسام على الله بالمتوسل به:
كأن تقول اللهم
إني أقسمت عليك بفلان أن تشفي مريضي فهذا بدعة ولا يجوز،
لأنه اشتمل على أمرين محرمين:
الأول: أن
الله حرم أن يقسم الإنسان بغير الله، وهذا إقسام بغير
الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ
حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَك
) رواه الترمذي
والحاكم وصححه وأقره الذهبي.
الثاني:
إذا كان الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فالإقسام
بالمخلوق على الخالق من باب أولى وأحرى أن يكون حراماً.
|