|
الفقه |
|
المستوى
الثاني
كتاب الزكاة
تعريف الزكاة:
الزكاة في اللغة مأخوذة من الزيادة والنماء
وفي
الاصطلاح الشرعي:
حق واجب
في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت معين لتحقيق رضا الله
وتزكية النفس والمال في المجتمع.
وجوب الزكاة وبيان فضلها:
الزكاة واجبة
بالكتاب والسنة والإجماع، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة،
وهي قرينة الصلاة في كتاب الله.
فمن الكتاب:
قال تعالى: {وأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة
}
[البقرة: 43].
وقال تعالى: {وما
أمروا إلا ليعبد الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة
} [البينة: 5].
وقال تعالى: {خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها
} [التوبة:103].
ومن السنة:
عن ابن عمر، رضي
الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد
رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا
ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحـق الإسلام، وحسابهم
على الله
) متفق عليه.
وعن أبي هريرة،
رضي الله عنه، قال: (لما
توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله
عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف
تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها،
فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟!" فقال
أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن
الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم على منعه. قال
عمر، رضي الله عنه: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح
صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق
) متفق عليه.
وعن أبي هريرة،
رضي الله عنه: (أن
أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة. قال "تعبد الله لا
تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم
رمضان" قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا. فلما
ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى
رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا
) متفق عليه.
وعن أبي هريرة،
رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما
من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم
القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم،
فيكوى بها جبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله،
إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله،
فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها
حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع
قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه
بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه
أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين
العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار". قيل:
يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: "ولا صاحب بقر ولا غنم
لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع
قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا
عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه
أولاها، رد عيه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى
النار". قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: "الخيل ثلاثة: هي
لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له
وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهي له
وزر. وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم
ينس حق الله في ظهورها، ولا رقابها، فهي له ستر. وأما التي
هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج،
أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب
له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها
حسنات، ولا تقطع طولها فاستنّت شرفا أو شرفين إلا كتب الله
له عدد آثارها، وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على
نهر، فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد
ما شربت حسنات". قيل: يا رسول الله فالحمر؟ قال: "ما أنزل
علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة
{فمن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
} [الزلزلة: 7-8]
متفق عليه. وهذا لفظ مسلم.
أهداف الزكاة والحكمة من تشريعها
للزكاة أهداف
إنسانية جليلة، ومثل أخلاقية رفيعة، وقيم روحية عالية.
وكلها قصد الإسلام إلى تحقيقها وتثبيتها حين فرض الزكاة،
يقول تعالى:
{خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ
بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
} [التوبة: 103]
.
وحين طبق
المسلمون في العصور الإسلامية الزاهية فريضة الزكاة كما
شرعها الله ورسوله، تحققت أهدافها الجليلة، وبرزت آثارها
العظيمة في حياة الفرد والمجتمع. ومن أبرز أهداف الزكاة في
الإسلام ما يأتي:
1.
الزكاة عبادة مالية:
يعتبر إيتاء الزكاة استجابة لأمر الله ووفاء لعهده، يرجو
عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة، ونماء المال في الحياة
الدنيا بالبركة.
2.
الزكاة طهارة من البخل والشح والطمع:
تعتبر الزكاة علاجاً شافياً لأمراض البخل والشح والطمع
والأنانية والحقد. والإسلام يقدر غريزة حب المال وحب الذات،
ويقرر أن الشح حاضر في النفس الإنسانية لا يغيب.
{
وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ…
} [النساء:128].
فيعالج هذا كله
علاجاً نفسياً بالترغيب والتحذير والحض وضرب الأمثال، حتى
يتم له ما يريد، فيطلب إلى هذه النفس الشحيحة أن تجود بما
هو حبيب إليها عزيز عليها.
3.
إعانة الضعفاء وكفاية أصحاب الحاجة:
المسلم عندما يدفع زكاة ماله يشعر بمسؤوليته عن مجتمعه،
وعن تكافله مع المحتاجين فيه وتغمره السعادة عندما يؤدي
الزكاة ويأخذ بيد أخيه المحتاج ويرتفع به من ويلات مصيبة
حلت به فأفقرته، وهو يستشعر في هذا كله قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ
فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24)لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ(25)
} [سورة المعارج].
4.
الزكاة تنمي الروح الاجتماعية بين الأفراد:
يشعر
المسلم الدافع للزكاة بعضويته الكاملة في الجماعة، فهو
يشترك في واجباتها وينهض بأعبائها، فيتحول المجتمع إلى
أسرة واحدة يسودها التعاون والتكافل والتواد تحقيقاً
وتجسيداً لقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
) متفق عليه.
والزكاة تعبير
عملي عن أخوة الإسلام، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم من جانب
المزكي، وهي أيضاً تجعل الفقير يعيش في المجتمع المسلم
خالية نفسه من أي حقد أو حسد، ذلك لأن حقه محفوظ في مال
الغني، فتجده يحبه ويدعو له بالبركة وكثرة المال. يقول صلى
الله عليه وسلم: (المؤمن
للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا
ً)، متفق عليه.
5.
الزكاة تكفر الخطايا وتدفع البلاء:
الزكاة
تكفر الخطايا وتدفع البلاء، وتقع فداء عن العبد، وتجلب
رحمة الله، قال تعالى :
{وَرَحْمَتِي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ …
} [الأعراف:
156].
وها هي المجتمعات
المادية تعيش حالة من الفوضى والضياع، ينمو فيها الحقد
وتظهر الطبقية، ويكثر الوباء والبلاء، جرائم ترتكب، وسرقات
ونصب واحتيال، ففي هذه المجتمعات وحدها تنمو الرذيلة وتقتل
الفضيلة، وتنشأ العقد النفسية، ويكثر الجنون، أما في مجتمع
الإسلام، مجتمع الزكاة فمحبة لله وطاعة وإنابة وتعاون
وتكافل، تأتي بالرحمة والخير والسعادة والأخوة.
6.
الزكاة مصدر قوي لإشاعة الطمأنينة والهدوء:
تعتبر الزكاة ضماناً اجتماعياً للعاجزين، ووقاية للجماعة
من التفكك والانحلال، وهي مؤسسة عامة للتأمين التعاوني
المنشود، إذ هي وسيلة من وسائل القضاء على الفقر والعوز
والجوع والمرض… للفقير في أموال الزكاة ما يجعله شجاعاً
وعزيزاً يواجه المستقبل بنفس راضية مطمئنة، فلا قلق ولا هم
ولا حزن … والغني لا يبقى رهين الخوف من الإفلاس والفقر،
لأن الله أرشده إلى وسائل تنمية المال. ولو عدت عليه
العوادي وانقلبت الموازين وأصبح فقيراً بعد الغنى فإن له
حقاً في مال إخوانه الأغنياء، يستطيع به أن يعيد ثروته بعد
الكفاح والجد والمثابرة.
7.
الزكاة تنمي شخصية المزكي:
الزكاة تحقق النماء والزيادة لشخصية المزكي وكيانه
المعنوي، فالإنسان الذي يسدي الخير ويصنع المعروف، ويبذل
من ذات نفسه ويده لينهض بإخوانه المسلمين، ويقوم بحق الله
عليه، يشعر باقتدار في نفسه وانشراح في صدره، ويحس بالنصر
المؤزر على نفسه وأثرته وشيطان شحّه وهواه.
8.
الزكاة تطهير للمال:
الزكاة طهارة للمال، ذلك أن تعلق حقوق الفقراء في المال
يجعله ملوثاً لا يطهر إلا بإخراج هذه الحقوق. يقول الدكتور
يوسف القرضاوي: "بل
إن مال الأمة كلها ليهدد بالنقص وعروض الآفات السماوية
التي تضر بالإنتاج العام وتهبط بالدخل القومي، وما ذلك إلا
أثر من سخط الله تعالى ونقمته على قوم لم يتكافلوا ولم
يتعاونوا ولم يحمل قويهم ضعيفهم
،
وفي الحديث
(لم
يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا
البهائم لم يمطروا
)
أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه ابن ماجه،
وهو حديث ضعيف.
إن تطهير مال الفرد والجماعة من أسباب النقص والمحق لا
يكون إلا بأداء حق الله وحق الفقير من الزكاة
". انتهى كلامه.
9.
في
الزكاة حث على العمل والجد والمثابرة:
يعتبر
نقل ملكية جزء من المال عن طريق الزكاة من الأغنياء إلى
الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم
والغارمين وغيرهم حثاً لهم على العمل والجد والمثابرة
والولاء للمجتمع، وبذلك تزيد كفايتهم الإنتاجية، ويكون
مردود ذلك كله على المجتمع الذي تنحسر فيه البطالة، ويرتفع
مستوى الدخل.
شروط الزكاة
الشرط الأول: الإسلام:
الزكاة
لا تجب إلا على المسلم، أما غير المسلم فلا زكاة عليه،
لكنه يحاسب عليها، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح.
الشرط الثاني : الحرية:
لا تجب
الزكاة على العبد والمكاتب، لأن العبد لا يملك شيئاً.
والمكاتب ملكه ضعيف، لأن من شروط الزكاة الملك التام. ثم
إن العبد وما ملك مُلكٌ لسيده، والسيد يزكي أمواله.
الشرط الثالث : النية:
يشترط
لصحة أداء الزكاة إلى مستحقيها نية المزكي بقلبه أن هذا
المال المعطى لمستحقيه هو الزكاة المفروضة عليه لقوله صلى
الله عليه وسلم: (إنما
الأعمال بالنيات
) متفق عليه.
والزكاة عبادة
لابد أن تكون مقرونة بالنية.
الشرط الرابع : الملك التام للمال:
والمراد بالملكية التامة هنا: أن يكون المال بيد الفرد،
ولا يتعلق به حق لغيره من البشر، وأن يتصرف فيه باختياره،
وأن تكون فوائده حاصلة له.
وبهذا الشرط تخرج
أموال كثيرة لا تجب فيها الزكاة لعدم تحقق الملك التام
فيها، من ذلك ما يأتي:
1.
المال الذي ليس
له مالك معين، وذلك كأموال الدولة التي تجمعها من الزكوات
أو الضرائب أو غيرها من الموارد فلا زكاة فيها، لأنها ملك
جميع الأمة، ومنها الفقراء.
2.
الأموال الموقوفة
على جهة عامة كالفقراء، أو المساجد، أو المجاهدين، أو
اليتامى، أو المدارس، أو غير ذلك من أبواب الخير، فالصحيح
أنه لا زكاة فيها.
3.
المال الحرام
وذلك مثل: المال الذي يحصل عليه الإنسان عن طريق الغصب
والسرقة أو التزوير والرشوة والاحتكار والربا والغش ونحوها
من طرق أخذ المال بالباطل، إذ يجب على آخذه أن يعيده إلى
أربابه أو إلى ورثتهم، فإن لم يعلمهم فيعطيه الفقراء
برمته، ولا يأخذ منه شيئاً، ويستغفر ويتوب إلى الله، فإن
أصر وبقي في ملكيته وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة.
الشرط الخامس : نماء المال:
المقصود
بالنماء هنا: أن يكون المال من شأنه أن يدر على صاحبه
ربحاً وفائدة، أو يكون المال نفسه نامياً. وعلى هذا قسم
علماء الشريعة المال النامي إلى قسمين:
1.
نماء حقيقي:
كزيادة المال ونمائه بالتجارة أو التوالد كتوالد الغنم
والإبل.
2.
نماء تقديري:
كقابلية المال للزيادة فيما لو وضع في مشاريع تجارية،
كالنقد والعقار، وسائر عروض التجارة.
وبناء على ذلك
فقد قرر الفقهاء رحمهم الله أن العلة في إيجاب الزكاة في
الأموال هي نماؤها في الواقع، أو إمكانية نموها في
المستقبل لو استثمرت. وعليه فلا تجب الزكاة في الأموال
التي ادخرت للحاجات الأصلية كالطعام المدخر، وأدوات الحرفة
وما يستعمله الصانع في صنعته التي تدر عليه ما يكفيه وما
ينفق منه، ودواب الركوب، ودور السكنى، وأثاث المساكن، وغير
ذلك من الحاجات الأصلية، وكذا الحلي المستعمل. والأحوط
إخراج الزكاة فيه خروجاً من الخلاف لمن يقدر على ذلك.
الشرط السادس : بلوغ المال نصاباً:
اشترط
الإسلام في المال النامي الذي تجب فيه الزكاة أن يبلغ
نصاباً، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بتحديد النصاب، وإعفاء ما دونه من الزكاة.
الشرط السابع : حولان الحول على المال:
وذلك بأن يمر على المال في حوزة مالكه اثنا عشر شهراً
قمرياً، وهذا الشرط خاص بالأنعام والنقود والسلع التجارية،
أما الزروع والثمار والعسل والمستخرج من المعادن والكنوز
ونحوها فلا يشترط لها الحول.
الشرط الثامن: أن يكون المال فاضلاً عن حوائجه الأصلية:
لأن
المال الفاضل عن الحوائج الأصلية يتحقق به الغنى، أما
المال المحتاج إليه حاجة أصلية فلا يكون صاحبه غنياً به،
وبالتالي لو ألزمه الشرع بأدائه لغيره لما طابت بذلك نفسه،
ولما تحقق الهدف السامي الذي ينشده الإسلام من وجوب الزكاة
على الأغنياء ودفعها للفقراء، وقد فسر الفقهاء رحمهم الله
الحاجة الأصلية تفسيراً علمياً دقيقاً فقالوا هي: ما يدفع
الهلاك عن الإنسان تحقيقاً كالنفقة ودور السكنى وآلات
الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر والبرد، أو تقديراً
كالدين. فإن المدين يحتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب،
وكآلات الحرفة وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم
لأهله.
موقف الإسلام من مانعي الزكاة
من أشد المصائب
التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله
يحفظ أمواله من الضياع، أو أنه يزيده مالاً فوق ماله، مع
أنه لو علم ما يصيبه من الخسران في دنياه بانفضاض الناس من
حوله وكراهيتهم له، ثم ما يحيق به من العذاب في آخرته،
فإنه لو أدرك ذلك لكانت حسرته على نفسه شديدة وأليمة،
ويكفي أن يقرأ هؤلاء البخلاء ما جاء في كتاب الله العزيز
عما أعد لهم من عذاب وهوان، فقد قال جل وعلا:
{وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ
شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
} [آل
عمران:180].
ويقول تعالى في
سورة التوبة:
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35)
}.
ففي الامتناع عن
أداء الزكاة إثم عظيم، وضررٌ كبير على الفقراء والمحتاجين،
وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه الذي لا يصيب الذين ظلموا
خاصة، بل يعم الجميع والعياذ بالله.
وقد شدّد الإسلام
على مانعي الزكاة وأوقفهم عند حدهم، لأنهم يهدمون بناء
المجتمع بطمعهم وجشعهم وأنانيتهم المفرطة. فمن امتنع من
الأغنياء عن أداء الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً، ولو أدى
ذلك إلى عقابه في النفس والمال، فإن كان الممتنع عن أدائها
فرداً أو أفراداً لا سلطان لهم صح للإمام أن يؤدبهم
ويعاقبهم حتى يؤدوها، وصح له أن يصادر عليهم نصف أموالهم
سياسة شرعية زجراً لهم عن سوء صنيعهم.
وإن كان الممتنع
عن أداء الزكاة جماعة لهم سلطان وقوة، حق على الإمام أن
ينذرهم عاقبة منعها، فإن لم يجُدِ فيهم الإنذار وجب عليه
أن يقاتلهم حتى يؤدوا الزكاة، فإن لم يفعل أثم وعصى. ولقد
قاتل أبوبكر رضي الله عنه والمسلمون معه مانعي الزكاة ـفي
حروب الردةـ وكان معه في رأيه الخلفاء الثلاثة وسائر
الصحابة رضي الله عنهم، فكان ذلك إجماعاً منهم على قتال
مانعي الزكاة.
وخلاصة
موقف الإسلام من مانعي الزكاة
:
أن الإسلام يفرق
بين الممتنعين حسب أحوالهم، فيتخذ موقفاً محدداً من كل قسم
حسب حاله على ما يأتي:
1.
الممتنع عن أداء الزكاة مع الإنكار لوجوبها
:
موقف الإسلام منه
يختلف حسب حاله إن كان ممن لا يخفى عليه أمرها حكم بكفره
وقوتل على منعها. فإن كان يخفى عليه أمرها، كمن أسلم
حديثاً ونشأ في البادية فهذا لا يحكم بكفره، بل يعرف
بوجوبها عليه وتؤخذ منه قهراً، فإن جحدها بعد ذلك حكم
بكفره وقوتل عليها لقيام الحجة عليه.
2.
الممتنع عن أدائها بخلاً بها مع اعترافه بوجوبها
:
فموقف الإسلام
منه أنه لا يحكم بكفره، بل تؤخذ منه قهراً، ويعزر إن لم
يكن له عذر، ويصرفها الإمام العادل في مصارفها الشرعية.
أما إن كان له عذر، بأن كان الإمام ظالماً يأخذ أكثر من
الواجب، أو يصرفها في غير مصارفها الشرعية فإنه يؤمر
بإخراجها، ويحذّر عاقبة منعها، ولا يلزمه دفعها إلى الإمام
الظالم. |